2024- 07 - 05   |   بحث في الموقع  
logo “أمن العام” تعلن عن حاجتها لتطويع مأمورين متمرنين! logo بوتين: أوربان دعا إلى وقف النار لتهيئة الظروف للمفاوضات logo طليقة إعلامي شهير ومستشارة الرئيس... اليكم تفاصيل حياة لونا الشبل! logo قائد جديد يخرج من "رحم" الحزب "الحديدي"... التكليف الشرعي يضرب أحلام إسرائيل! logo "المستشفيات ليست مكسر عصا"... نقابة أصحاب المستشفيات تستنكر! logo بعد اندلاع حريق في ساحة خردة... الجامعة الأميركية تُوضح! logo أمير قطر:وضع غزة مأساوي..ويتطلب تضافر الجهود لإنهاء الحرب logo ردًا على ‌‏الاعتداءات الاسرائيلية... "حزب الله" يستهدف مستعمرة شلومي
تشومسكي وقطيع سوريا التائه
2024-07-03 10:55:57


قبيل أيام من تفشي إشاعة موته، وتصديقها من قبل كثيرين، كانت صفحات السوشال ميديا العربية تتداول منشوراً منسوباً له، حظي بانتشار واسع جداً، حتى في الأوساط البعيدة عن فضاءاته، يحمل عنوان "10 استراتيجيات للتحكم في الشعوب".
لكن تشومسكي المشهور جداً في الأوساط السياسية والأكاديمية الغربية والعربية، والمعروف من قبل اليساريين حول العالم، وداعمي نضالات الشعوب ضد الإمبريالية العالمية، ورغم إرثه الكبير، المعترف فيه من قبل شرائح واسعة في هذه الأوساط لم يكن، وربما لن يكون، نجماً جماهيرياً يلاحقه رجل الشارع لمعرفة رأيه في القضايا التي تشغل باله، ولاسيما التفاصيل الصغيرة المعترضة لمسار حياته ويومياته، بل كان صاحب رأي في القضايا الكبرى التي تجول حول الكوكب!
ويبدو من غير المجدي هنا إثبات المثبت، حول أن عمله السياسي والفكري، بعيداً عن علم اللغويات، قد تركز على مطاردة الهيمنة الأميركية، وسياساتها الإمبريالية، وقدرتها على صناعة الخراب حول العالم، وتدميرها للثقافات المحلية، في إطار سعيها لتعميم النمط الثقافي الإمبراطوري المهيمن.
رجل الشارع السوري الذي لم يسمع بتشومسكي، سيشعر بالسعادة حين يجد أن منشوره الرائج حول آليات التحكم بالشعوب ينطبق على أفعال نظام الأسديين في عهدي الأب والابن، فكل ما ورد فيه من تفاصيل جرى تطبيقها هنا، إلى درجة يمكن القول بعدها أن سوريا منذ عام 1970، وحتى اليوم هي الفضاء الأكثر امتثالاً للقواعد التي تستهدف تأبيد السلطة!
كما أن المتلقي السوري ذاته، سيضخ جرعات عالية من الأدرينالين إلى عقله، حين يقرأ عن نظرية "القطيع التائه" التي صاغها تشومسكي حيث يمكن للسلطة (أي سلطة)، أن تصنع مسارات محددة لتفكير الجموع البشرية عبر جعلها قطيعاً يخاف من الذئاب والحيوانات الكواسر، عبر خلق بؤر تخويف ورعب، في مفارق وزوايا لا تخدم مصالحها، الأمر الذي يجعلها تذهب في طريق محدد، يستفيد من خوضها فيه، أولئك الذين يريدون منها ألا تخرج عن روايتهم، وعن تصوراتهم!
ألم يكن هذا ما تمت صناعته، في أكبر حملة تضليل قادتها النُخب المؤيدة لنظام البراميل، لإلحاق الثورة السورية بوصمة الإرهاب والتخلف، بعد أن أباد وحلفاءه كل التيار الثالث المدني الديموقراطي، عبر القتل والسجن، وجعل الناجين يخوضون في النزوح واللجوء، فصارت اللوحة مقتصرة عليه وعلى الجهاديين، من دواعش ونصرة ومن يشبههما، وصار الشعار المطروح "إما الأسد وإما التطرف الإسلامي"؟! فتحول أغلب اليسار العالمي إلى خراف تمضي في دروب القطيع، بعد أن خضعت للبروباغاندا التي بثتها قنوات إيران وروسيا، وصدقها الشيوعيون العرب أولاً، ممن لا يريدون أن يوجعوا رؤوسهم بالبحث عن الحقيقة!
غير أنه، وبعد أن تعلو لذة الوصول إلى الحقيقة إلى ذروتها، كم سيكون الانسحاب إلى الأسفل صادماً، حين سيعرف ذلك الذي اكتشف وجود عقل جدل ذكي في رأس تشومسكي، أن صاحبه ذاته، انضم إلى ركب المصدقين، وبطواعية كاملة، وصار جزءاً من قطيع، يظن أنه يمتلك الحقيقة، بينما في الواقع لا يعرف أفراده، وربما لا يريدون أن يعرفوا أكثر، مما قالته لهم الأوساط اليسارية التقليدية، عن أن نظاماً يواجه الإمبريالية (يدعي ذلك) يجب أن يُدعم في وجه ثورة "رعاعية" غير متحضرة، يهيمن عليها إسلاميون يطلبون من الله العون!!
وإذا قيض للشخص الذي تصدمه ازدواجية المعايير، في قراءة الثورات لدى تشومسكي، رغم موقفه الذي يرى بشاعة الأسد، أن يقرأ التقارير التي كانت تنشرها وكالة سانا التابعة للنظام عن موقفه الرافض للتدخل الأميركي في سوريا، وأن يرى موقفه غير المعارض للتدخل الروسي، وعدم رؤيته ملامح إمبريالية سياسة بوتين خارج بلده، فإن المحصلة التي ترسخ في مصفاة العقل لن تجعل البسطاء سعداء بالاحتفاء الذي يناله المفكر اليساري، كلما ذكر اسمه، فكيف وإشاعة موته قد فجرت بكائيات ساذجة، غالت في الإشادة به، وتعظيم مناقبه، بينما كان ملف موقفه الملتبس من الثورة السورية مازال حاضراً!
منذ 2011 وحتى وقتنا الحالي سعى مثقفون سوريون، إلى تحري موقف تشومسكي من الاحتجاجات ضد نظام الطاغية في دمشق، وسياسة مواجهة المتظاهرين السلميين برصاص رجال الأمن، ومع تدحرج الأمور نحو عتبات العنف الدموي، تحول خطابه من حيز تحري التفاصيل، وعدم التسرع في إظهار الموقف، إلى الإفاضة في تكرار الرؤى التي تصنف حراك السوريين كحرب طائفية، وتتجاهل حقوقهم في الحرية والعدالة والعيش الكريم، وصولاً إلى التركيز على الدور الأميركي في المشهد، دون غيره.
لم يصل الأمر في علاقة السوريين الثائرين مع تشومسكي إلى منعطف القطيعة، حيث لا رجعة بعدها، رغم أن كتاباً ومثقفين مرموقين كتبوا وأشاروا إلى مثالب رؤيته للحالة السورية، وتأثره بيساريين آخرين كرروا روايات الأسديين، ويمكن القول إن الاحتفاظ بمقدار لا بأس به من الاحترام لقامته، يأتي من إرثه العظيم في قراءة طبيعة السلطة وآليات تحكمها بالشعوب، حيث لا يمكن في هذا السياق تجاهل مؤلفاته التي ساهم سوريون ثائرون تاريخياً ضد النظام، في ترجمتها وتعميمها على القراء السوريين والعرب.
وفي الوقت نفسه، ورغم أن عدم معرفة التفاصيل الدقيقة حول ما جرى ويجري لا يعتبر سبباً يحول دون التقريع، إلا أن مسار الثورة ذاته يلتبس في كثير من دهاليزه وكواليسه ومنعطفاته على نخب سورية متعددة، وحتى أولئك الذين لا يخضعون تفكيرهم للآليات المضللة تجاه الثورة، يرفضون أن يصيغوا إيمانهم بها على شكل رؤى دوغمائية صماء كتيمة، بل إن نقد الثورة يعتبر جزءاً من ضرورات وصولها إلى نهايتها المأمولة.
فإذا كان فضاء السوريين أنفسهم يحتمل ألا يعتقد كثيرون منهم بضرورة التصفيق لكل ما جاءت به رياح التغيير المتعثر، فإن توجيه السهام صوب تشومسكي يبدو غير مطروح، طالما أنه بقي على موقفه الذي يؤكد على بشاعة التكوين الأسدي، ويرى أن تدمير سوريا سيؤدي إلى مأساة كبرى، تشبه تلك التي حلت بشعبها في نهاية الحرب العالمية الأولى، لكنه، وبما يروق للمتفائلين، يؤكد أن السوريين سينهضون مجدداً، كما فعلوا في غابر الزمان.



المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top