انفجر الوضع في شمال سورية وجنوب تركيا، بين الجيش التركي والميليشيات التي تعمل بدعم ورعاية من تركيا، والتي طالما تسبّبت حمايتها ورعايتها بالأزمات مع روسيا وإيران واستمرار تعقيد العلاقة مع سورية، بمواصلة الرفض التركي لشرط الالتزام بالانسحاب من سورية، الذي لا يوفر لتركيا أمناً بل يوفر للميليشيات الإرهابية الملاذ والحماية والرعاية. وعندما دقت ساعة القرار بالانعطاف التركي نحو المصالح العليا التي تمليها على أنقرة متغيرات دولية وإقليمية، في ضوء التبدلات الأوروبية التي حملت اليمين إلى موقع القرار وما يحمله من عداء عنصري نحو المهاجرين والمسلمين منهم خصوصاً، والتحولات التي تشهدها حرب أوكرانيا لصالح روسيا، وتقدّم محور المقاومة في حروب المنطقة، تكتشف تركيا أنها عندما تتخذ قراراً يلبي مصالحها العليا فإن هؤلاء ليسوا إلا ألغاماً موقوتة جاهزة للانفجار. وبالمقابل انفجرت العنصرية التركية بوجه اللاجئين السوريين بحرق بيوت العمال السوريين وتهجيرهم قسراً عبر الحدود في الكثير من مناطق الجنوب التركي، بينما كان شمال سورية يشهد حرق أعلام تركية ومهاجمة نقاط تمركز الجيش التركي.
على جبهة الحرب في غزة وجنوب لبنان، مزيد من الخسائر في جيش الاحتلال وفقدان زمام المبادرة في جبهات القتال، ومساء أمس، أعلنت حكومة بنيامين نتنياهو أنها سوف تبدأ بتنفيذ ما يُسمّى بالمرحلة الثالثة في غزة، وتحدث مسؤولون حكوميون وعسكريون في كيان الاحتلال أن الرهان على هذا القرار يتعدّى جبهة غزة وتفادي المزيد من المواجهات فيها، على أمل أن يؤدي ذلك إلى تخفيض التصعيد على جبهة لبنان.
عسكرياً، أعلنت القوات اليمنية التنفيذ الناجح لمجموعة عمليات نوعية، أبرزها استهداف سفينة ( MSC Unific ) الإسرائيليةَ في البحرِ العربيِّ بصواريخ مجنحة وكانتِ الإصابةُ دقيقةً ومباشرة. أما العمليةُ الثانيةُ فقد نفذت بعددٍ من الصواريخِ الباليستيةِ والمجنحةِ، واستهدفتْ سفينةَ ( Delonix ) النفطيةَ الأميركيةَ في البحرِ الأحمرِ للمرةِ الثانيةِ خلالَ هذا الأسبوعِ. والعمليةُ الثالثة استهدفت بصواريخ مجنحة، سفينةَ الإنزالِ ( Anvil Point ) البريطانيةَ في المحيطِ الهنديِّ وكانتِ الإصابةُ دقيقةً ومباشرةً. أما العمليةُ الرابعةُ فاستهدفتْ سفينة ( Lucky Sailor ) في البحرِ الأبيضِ المتوسطِ، بسبب انتهاك الشركة المالكة لها قرار حظر الدخول إلى موانئ فلسطين المحتلة، حيث كانتِ الإصابةُ دقيقةً ومباشرة.
مع تراجع وتيرة التهديدات الإسرائيلية بشن عدوان واسع على لبنان لصالح تقدم الحلول الدبلوماسية، استبعدت مصادر سياسية معنية بالملف الحدودي توسع دائرة الحرب بين حزب الله و»إسرائيل»، مشيرة لـ»البناء» إلى أن الجهود الأميركية تتركز على إنهاء الحرب في غزة لإنقاذ «إسرائيل» من مأزقها ولتفادي الحرب الإقليمية ودخول الإدارة الأميركية مرتاحة الى الانتخابات الرئاسية، وانطلاقاً من ذلك من غير المنطقي السماح لـ»إسرائيل» فتح جبهة جديدة قد تفتح الباب أمام حرب إقليمية تهدّد أمن «إسرائيل» والمصالح الأميركية في المنطقة». ولفتت المصادر الى أن «الجهود الأميركية والدولية نجحت باحتواء التصعيد على الحدود الجنوبية وعدم الانزلاق الى حرب واسعة النطاق بعد تحذير الحكومة الإسرائيلية من تداعيات هذه الخطوة، ودعوة الحكومة اللبنانية لضبط الحدود قدر الإمكان لتمرير المرحلة الفاصلة عن خفض العمليات العسكرية في غزة والانتقال للمرحلة الثالثة». وأكدت المصادر أن الأميركيين لن يسمحوا للحكومة الإسرائيلية بشن عدوان شامل على لبنان، إضافة الى أن الجيش الإسرائيلي لن يسير بأي خيار يعرف تداعياته الكارثية على الجيش وعلى الكيان الإسرائيلي بخاصة بعد تحذيرات كبار الجنرالات الأميركيين لـ»إسرائيل».
وأكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بأن “لا أحد من اللاعبين الكبار في المنطقة يريد حرباً أخرى، فلا إسرائيل وحزب الله ولبنان وإيران يريدون الحرب”. ولفت الى أن “طهران لا تريد حرباً لأنها لا تريد رؤية حزب الله مدمّراً، وتفقد ورقة أخرى في المنطقة، بالمقابل “إسرائيل” لا تريد الحرب في لبنان، لكنها مستعدة لذلك”. ورأى بأن “الهدنة في غزة في مصلحة “إسرائيل” الاستراتيجية”.
واعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت أن “اندلاع حرب شاملة مع “حزب الله” ستكون فكرة سيئة لأن “إسرائيل” ستعاني من ألم لم تشهده في تاريخها”. وفي مقابلة مع شبكة “سي ان ان” الاميركية لفت الى انه “إذا اندلعت حرب شاملة في الشمال من المرجح أن يختفي لبنان، سيكون هناك دمار شامل، لدينا القدرة على القيام بذلك، لكن في الوقت نفسه إذا استخدم حزب الله كل القوة، وهو سيستخدمها، ستعاني “إسرائيل” من ألم أكبر من أي وقت مضى في تاريخ مواجهاتنا مع الدول العربية”.
ووفق معلومات “البناء” فإن حكومة الاحتلال بدأت المرحلة التمهيدية للمرحلة الثالثة التي ستبدأ خلال أسابيع قليلة وتقضي بخفض العمليات الحربية لإراحة الجيش المنهك خلال تسعة شهور على جبهات عدة، وتراجع الجيش خلف خطوط الاشتباك مع المقاومة الفلسطينية لتخفيف الخسائر والانتقال الى مرحلة إطباق الحصار على غزة وسدّ كل منافذ تمرير المساعدات والأسلحة والمؤن والقيام بأعمال أمنية موضعية وضرب أهداف تضعف من قدرات المقاومة وقيادتها وتحميلها مسؤولية الأوضاع الكارثيّة لسكان غزة والاستثمار على هذا العامل لتأليب الرأي العام في غزة على المقاومة”.
وشدّد القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري، “أن على “إسرائيل” أن تدرك عجزها عن إعادة الوضع إلى ما قبل 7 تشرين الأول وأن الجرائم والقتل لن يعوّضا هزيمتها الاستراتيجية”. وقال: “المقاومة في لبنان ستكبد إسرائيل ثمناً غالياً رداً على أي اعتداء”. وقال لوزير الخارجية التركي هاكان فيدان: “المقاومة في لبنان على أهبة الاستعداد للردّ على تهديدات إسرائيل”.
إلى ذلك، أظهرت معطيات معهد الأبحاث “علما” لأبحاث التحديات الأمنية على الجبهة الشمالية في كيان العدو، أنه خلال شهر حزيران الأخير نفّذ 288 هجومًا على الساحة الشمالية، بمعدّل 9.6 هجوم في اليوم، وذلك مقابل 320 هجومًا في شهر أيار بمعدّل 10 هجمات في اليوم.
وبحسب معهد “علما”، بحلول منتصف الشهر، بدا واضحًا أن كثافة نيران حزب الله كانت مُرتفعة، خاصة في ظل اغتيال قائد وحدة نصر في حزب الله طالب سامي عبد الله في 11 حزيران. واستمرّت الهجمات ردًا على اغتيال مسؤول كبير في حزب الله ثلاثة أيام، وكان عددها مرتفعًا بشكل خاص.
وأضاف المعهد: “بمقارنة جميع البيانات الشهرية، يمكن ملاحظة أن شهر حزيران يقترب بشدّته من شهر أيار، والذي كان حتى الآن أعنف شهر من هجمات حزب الله ضد “إسرائيل” منذ تشرين الأول 2023”، وأكد أن “شهر حزيران 2024 هو في الواقع ثالث أقوى شهر – بينما كانون الأول 2023 – هو ثاني أقوى شهر”.
وواصلت المقاومة عمليّاتها ضد مواقع الاحتلال فاستهدفت موقع السماقة في تلال كفرشوبا بقذائف المدفعية وأصابوه إصابةً مباشرة، كما، استهدفوا مبنيين يستخدمهما جنود العدوّ في مستعمرة “دوفيف” ردًا على اعتداء العدو على بلدة كفركلا، وفي مستعمرة “راموت نفتالي” ردًا على اعتداء العدو على بلدة حولا، وأصابوهما إصابة مباشرة.
كما استهدفت المقاومة موقع ”معيان باروخ” بقذائف المدفعية وأصابوه إصابةً مباشرة مما أدّى إلى اندلاع النيران بداخله، ومبنى يستخدمه جنود العدو “الإسرائيلي” في مستعمرة المطلّة بالأسلحة المناسبة وأصابوه إصابة مباشرة.
وأشار رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى أنه “مُطمئن للأيام المقبلة بأننا سنصل إلى حل”، وأضاف خلال حفل إطلاق حملة “مشوار رايحين مشوار” للموسم الصيفي 2024 من واجهة بيروت البحرية: “نسمع بعض الدعوات من دول لرعاياها بعدم المجيء الى لبنان، وأؤكد أنه حتى بعض من اتخذ هذا القرار ففي قرارة نفسه يريد المجيء الى لبنان. المواطنون العرب والأجانب يحبون لبنان ونحن نحبهم، وانا مطمئن باذن الله اننا سنصل الى حل في الايام المقبلة”.
الى ذلك، أدلى مساعد أمين عام الجامعة العربية السفير حسام زكي بتصريحات عكست تراجعاً عن تصريحاته السابقة لجهة إزالة تصنيف الجامعة العربية لحزب الله بالإرهاب، وفي تصريح لفت زكي إلى أن “تصريحاته السابقة عن حزب الله فُسّرت في غير سياقها الصحيح وهي لا تعني بأي حال زوال التحفظات والاعتراضات العديدة على سلوك وسياسات وأفعال ومواقف حزب الله، ليس فقط داخلياً وإنما إقليمياً أيضاً”. ولفت زكي الى أن “قرارات الجامعة العربية تمنع تقديم أي شكل من الدعم للإرهابيين والكيانات الإرهابية”.
وكان زكي أعلن أن “الجامعة لم تعد تصنف حزب الله كمنظمة إرهابية”.
بدوره أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط أن الأمانة العامة “تلتزم دوماً بالتنفيذ الكامل لقرارات الدول في كافة الموضوعات”. وأضاف: “التكليف الصادر للأمين العام المساعد السفير حسام زكي بزيارة لبنان، موفداً شخصياً من جانبه، للتواصل مع القوى السياسية اللبنانية، هو تنفيذ لقرارات مجلس الجامعة في شأن التضامن مع لبنان وتكليفها للأمين العام في هذا الشأن”.
وأكد المسؤول الإعلامي في بكركي وليد غياض أن “لا نية باستهداف حزب الله ولا بوصفه بالإرهابي والبطريرك لم يقصد حزب الله ولا المقاومة في الجنوب التي نقدر كل تضحياتها وما أنجزته من انتصارات كانت محقة وتحية الى كل الشهداء الذين يسقطون في الجنوب.” وشدّد في حديث تلفزيوني على أن التواصل بين بكركي وحزب الله مستمرّ، مضيفاً: “لو كان البطريرك اعتبر حزب الله إرهابياً لأوقف التواصل معه لأنه لا يحاور ارهابيين”. وكشف غياض: ان “سفراء طلبوا من البطريرك وصف حزب الله بالإرهابي وقد رفض هذا الأمر رفضاً قاطعاً مؤكداً ان الحزب فريق لبناني”.