2024- 07 - 03   |   بحث في الموقع  
logo عناوين الصحف logo اسرار الصحف logo الادعاء على مهاجم السفارة الأميركية: الانتماء إلى "داعش" logo زحمة مبادرات عربية وغربية نحو لبنان: روافد بالمجرى الأميركي logo فاجعة تهز منطقة لبنانية.. أم تدهس طفلها بالخطأ! logo الخير تابع والأبيض شؤون المنية الصحية logo أول مقابلة تلفزيونية لبايدن بعد المناظرة logo الحشيمي نوه بجهود الحلبي وميقاتي اجراء الامتحانات الرسمية رغم الظروف القاسية
فلسطين كإختراق لمسلّمات لوعي الدولي
2024-07-01 07:55:23



منطلقًا من ملاحظة أن كل شيء يتغير باستثناء طرق تفكيرنا، يعود برتران بادي إلى القناعة المركزية التي ألهمت آخر كتبه "منهجية ذاتية للعلاقات الدولية": الإنسان كائن مفكر يصل إلى التفكير بناءً على تجربته الاجتماعية والتاريخية الخاصة. من ثم، كيف يمكن تصور أنه في عالم يسكنه ثمانية مليارات فرد، يمكن للجميع أن يفكروا بنفس الطريقة وبنفس الشيء؟ لذلك، هل يمكن اعتبار أن التوترات الدولية تنشأ من كونها معركة من أجل المعنى أكثر من أن تكون مجرد معركة لتعظيم القوة، كما تقترح نظريات العلاقات الدولية التقليدية؟

خلال مسيرته الأكاديمية، دافع برتران بادي عن النظر إلى العلاقات الدولية من منظور اجتماعي. وبفضل مساره الشخصي كفرنسي-فارسي النشأة ونشأته في خليط من الثقافات، أدرك أستاذ العلوم السياسية المرموق مبكرًا أهمية الذاتية في العلاقات الدولية. في كتابه، يدعو إلى إعادة الإنسان إلى مركز اللعبة الدولية، التي تتشكل أساسًا من العلاقات بين البشر. بعكس النظريات الواقعية والمثالية، يقترح إعادة توجيه تحليلات العلاقات الدولية نحو تأثير المعنى. في هذه المجال، تم تجاهل دور الإنسان لفترة طويلة لصالح النهج الذي تركز على الأرض وتوازن القوة. فالجغرافيا السياسية تدّعي استخراج قوانين التاريخ من التكوين الجغرافي للعالم، لكن هذا الهوس بالأرض أغفل الفاعلين الحقيقيين في اللعبة الدولية، وهم البشر. هؤلاء هم "البشر المفسرون"، لأن خاصية البشر هي القدرة على إعطاء المعنى للعالم الذي يتحركون فيه. كيف يمكن إذن عدم الاعتراف بأهمية المنطق التفسيري في العلاقات الدولية؟ وكيف لا نرى أن الطريقة التي يفسر بها كل شخص اللعبة الدولية هي التي تجعلها دموية أو سلمية؟
إذا كانت الفترة التي بدأت مع معاهدتي ويستفاليا (1648) قد شكلت نفس نظام المعنى المشترك بين ملوك يتشاركون القصص والخبرات والأهداف، فإن الثورة الفرنسية شكلت أول صدمة في الاستحواذ على العلاقات الدولية من قبل الشعب. بعد الحرب العالمية الثانية، شهد العالم ثلاث قفزات كبيرة هي: إنهاء الاستعمار، سقوط جدار برلين، والعولمة. ولقد أكدت فترة إنهاء الاستعمار الانتصار غير المسبوق للمجتمعات على الدول. وأدى تفكك الاتحاد السوفيتي إلى نهاية الثنائية الأيديولوجية وضعف دور الدول. وأخيرًا، تعتبر العولمة ظاهرة رئيسية تشجع على التفكير والسلوكيات الجديدة. الآن، الأفراد الذين لديهم وصول مباشر إلى العلاقات الدولية يُغذّون خيال ووعي معولمين. أمام هذا البروز المتزايد للبشر في اللعبة الدولية، يجد النظام "السياسي الرسمي" المرسوم بالقانون والتاريخ الدبلوماسي ونظريات العلاقات الدولية نفسه مجبرًا على التعايش مع نظام "اجتماعي واقعي". مثال حديث يؤكد ذلك هو الحرب في غزة وحركة الاحتجاج الطلابي التي أثارتها، والتي تعكس جيلاً اجتماعياً واعيًا معنى العولمة، وحساسًا للهيمنة وما يعتبره أمرًا غير مقبول.

في كتابه "زمن المذلولين، أمراض العلاقات الدولية"، الذي نُشر في عام 2014، أظهر برتران بادي أن الظهور الدراماتيكي للرأي العام والمجتمعات على الساحة الدولية يعود إلى حد كبير إلى تعميم الإهانة وعدم تكيّف القوى القديمة ودبلوماسيتها مع عالم معولم بشكل متزايد. بالنسبة للمؤلف، يجب التمييز بين الإهانة كـ "ثقافة" (يتقاسمها عدد كبير من الأفراد) والإهانة كـ "استراتيجية" (أداة يستخدمها "الفاعلون السياسيون" للعمل على الساحة الدولية). مرة أخرى، يقدم النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني مثالاً ساطعاً: إذا كانت المحرقة تشكل بدون شك إهانة للعالم اليهودي، فإن استغلال هذه الإهانة من قبل حكومة بنيامين نتنياهو الحالية يجعلها بوضوح أداة سياسية.
يشجع برتران بادي على جعل العلاقات الدولية علماً يفهم الآخر. كيف يفكر الآخر؟ كيف يفكر الآخر أنني أفكر؟ كيف يفكر الآخر بالطريقة التي أفكر بها؟ أسئلة يجب التوقف عندها لفهم التجارب المختلفة للتاريخ والواقع التي تؤدي إلى بناء معانٍ مميزة. يصبح من الواضح حينها أن كل مفردات العلاقات الدولية - السلام، القوة، الأمة، الأرض - تشير إلى رموز ومرجعيات مختلفة حسب الشعوب وتاريخها. بعيداً عن التباينات الثقافية المفترضة والمبنية غالباً بشكل مصطنع، فإن تباين المشاعر الناجم عن التجارب الخاصة هو ما يوضح التوترات والعقبات الدولية. فهم العلاقات الدولية من خلال منظور المشاعر يسمح بفهم منطق التعاطف مع قضايا بعيدة نسبيًا. على سبيل المثال، شهدنا رفع الأعلام الفلسطينية في مسيرات السترات الصفراء في باريس عام 2019، احتجاجاً على معاناة تُعتبر مشتركة.
وفقاً لبرتران بادي، فإن التضامن الحالي مع الشعب الفلسطيني هو ترجمة لتماهي الأفراد مع المعاناة التي يعيشها كما والاستياء من اللامبالاة السياسية والازدواجية في المعايير. يعتبر هذا النزاع مثالاً واضحاً لكيفية اصطدام النظام الدولي "السياسي الرسمي" بالنظام الدولي "الاجتماعي الواقعي". إذا كان الأول قد بنى رواية ترى إسرائيل كجبهة متقدمة للغرب في الشرق الأوسط، فإن النظام الدولي "الاجتماعي الواقعي" يعارضه بخطاب آخر. واستمرار النظر الى العلاقات الدولية كلعبة تحالفات بين الأصدقاء والأعداء، يمنع الدبلوماسية الغربية من التفكير بطريقة مختلفة عن كونها حليفاً غير قابل للانفصال عن الدولة العبرية. يوضح عدم الفهم الناشئ عن هذين النظامين الدوليين المتوازيين حالة الارتباك العام إزاء الصراعات في هذا العالم. مما يظهر الحاجة الملحة لاعتماد طريقة جديدة للتفكير في العلاقات الدولية.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top