تقيم غاليري شريف تابت (الأشرفية - بيروت)، وذلك ضمن "أيام بيروت الفنية" معرضاً جماعياً يضم أعمالاً لـ15 فناناً وفنانة لبنانيين. أطلق على المعرض تسمية "الصيف الملوّن"، لكونه يهدف إلى "تلوين" أيامنا، بعيداً من الرتابة التي صارت سمة من سمات هذا الزمن الرديء.
لطالما شكّلت المعارض الجماعية مناسبة للإطلاع على أعمال مجموعة من الفنانين دفعة واحدة، وفي مكان واحد. هذه النشاطات تسمح برصد إتجاهات فنية حديثة وعديدة في الوقت نفسه، كما يؤدي إلى إقامة نوع من التقييم و"المفاضلة" بين لوحة وأخرى، علماً أن مسألة المفاضلة لا تتعلّق دائماً بنوعية العمل الفني (وهو الشيء الأساس)، بل بأذواق المشاهدين المختلفة، وبدرجة استيعابهم لهذا العمل أو ذاك. هذأ الأمر يتعلّق، بدوره، بالمستوى الثقافي الفني لدى الجمهور اللبناني، وهو غير متاح للجميع، في طبيعة الحال، على الدرجة والعمق نفسه.
(سمير تابت)لن يكون في استطاعتنا التطرّق إلى الأعمال المعروضة كلّها، إذ لا يتسع المجال لهذه المهمة، نظراً لعدد الفنانين الكبير نسبياً. وإذ نبدأ استعراضنا لبعض الأعمال بحسب الترتيب الوارد في الدعوة الخاصة بالمعرض، فسنرى في الصالة، من ضمن أعمال أخرى لها، بورتريه من نتاج كلود قطّان للشاعرة والفنانة الراحلة إتيل عدنان. من خلال متابعتنا لأعمال قطّان، التي تنشرها على وسائل التواصل الإجتماعي، يمكن ملاحظة علاقتها الوثيقة بفن البورتريه، وأسلوبها التعبيري، المونوكرومي في أحيان عديدة، في التعاطي المحترف مع هذا النوع الفني. هناك بورتريه، أيضاً، لفيليب فرحات، يطغى عليه، أيضاً، الأسلوب التعبيري، لكنه يختلف عن بورتريه قطّان لكونه يستخدم تقنيات مختلطة، ويعمد إلى ضربٍ من الرمزية والتورية. فخلفية البورتريه، على سبيل المثال، هي عبارة عن ورقة الخمسين ألف ليرة، الذي كانت تساوي شيئاً ذات يوم، وصارت أقرب إلى الورق العادي الذي يحمل حروفاً ورسوماً ليس إلاّ.
(كلود قطان)أما لوحة نيفين مطر فهي تمثل ثلاثة بورتريهات متشابهة، ضمن أسلوب غرافيكي ومساحات لونية كبيرة ومسطّحة. الأسلوب الفني يبدو ذا علاقة بالفن الفطري، أما المردود البصري فهو حاضر من دون شك، وتؤكده نزعة زخرفية. بورتريه محمود الزيباوي الذي نراه في المعرض لا يخرج عن النمط الذي سار عليه الفنان في أعمال سابقة من حيث التقنية والمعالجة الذاتية التي المشحونة معالم روحية، كما نعتقد. وللمناسبة فإن زيباوي كان أقام معرضاً منذ أشهر في الغاليري نفسها، وتضمن المعرض بورتريهات وأعمالاً طبيعة صامتة.
المشهد المديني، المنفذ بتقنية الأكواريل، في لوحة شربل صادر يصدر عنه شعور بالحيوية والسكون في الوقت نفسه. تبدو القامات وكأنها سادرة في ساحة رطبة، وحركاتها تذهب في كل الإتجاهات، على نقيض المباني المنتصبة بالكاد، كما أرادها الفنان في عمل سريع، لكنه ذو إنطباعية واضحة. لكن مدينة جبران يازجي فهي، على عكس ما تقدّم، ذات خطوط واضحة وتنزع نحو أسلوب فطري، كما ليس من الصعب أن نستنتج أن العمل يمثل، ولو ضمن الأسلوب المذكور، زاوية ما من الـ"داون تاون"، الفارغة في الوقت الحالي إلاّ من بعض الأشخاص قليلي العدد. هذا العمل كان حاضراً، منذ فترة غير بعيدة في المعرض الشخصي للفنان، الذي أقيم في الغاليري نفسها تحت عنوان "إنطباعات نوستالجية".
(جبران يازجي)أورور سلوان تعرض عملاً تجريدياً ذا خطوط هندسية، أو شبه هندسية، ومساحات لونية مسطّحة تعتمد التجاور بين الألوان الحارة والباردة، وقد نلحظ فيه همّاً تأليفياً نجحت الفنانة في تلبية متطلباته. لدى سمير تابت بورتريه كما لدى الفنانين الواردة أسماؤهم أعلاه، على أن العمل رُسم بمادة السانغين ضمن أسلوب شبه أكاديمي. لسنا على معرفة شخصية بالفنان، لكن الرسم يبدو وكأنه أوتوبورتريه له، وإن لم يكن كذلك فهو يتضمن العديد من المناحي الشخصية الواضحة في المردود النفسي للعمل. بالنسبة للوحة درويش شمعة، فإن المشهد يتضمن همّاً لونياً في الدرجة الأولى، في حين أن النتيجة الشكلية تتراوح بين التجريد وبعض معالم الواقع، وتشير إلى أن هذا المشهد قد يكون طبيعياً، وهو الأمر المرجح، أو يأخذ القليل من عناصر المدنية في شكل موارب. العمل العائد لماتيو مخلوف غرافيكي بامتياز، والتقنية المعتمدة يمكن نسبها إلى نطاق الليتوغرافيا، كما يمكن أن تنتمي إلى مجال الألوان المائية. هذا، في حين أن اللوحة المائية لسكينة حويلا، ذات النهج الواقعي، فهي تشير في شكل أكيد إلى محل لبيع الزهور. وقد كنا لاحظنا أعمالاً لحويلا على مواقع التواصل الإجتماعي وأعجبنا بأسلوبها في التعاطي مع الألوان المائية، الذي تطغى عليه شفافية لا خلاف عليها، وهي التي تعتبر أساساً في أعمال الأكواريل، التي استطاعت الفنانة استثمار إمكاناتها بلباقة.
وكما ذكرنا في بداية حديثنا، فإن المعرض يسمح بالإطلاع على أساليب عديدة، وهذا أمر طبيعي، ومطلوب في المعارض الجماعية. ثمة شعور يتبلور لدينا بأن الإتمام بفن البورتريه يظهر جلياً في العديد من اللوحات المعروضة، إضافة إلى هواجس فنية أخرى سوف يكون في إمكان الجمهور مشاهدتها خلال هذا الفصل الحار، علّها تسمح له باستنشاق بعض "الهواء الفني النقي"، بعيداً من أجواء التلوّث البيئي الذي صار جزءاً من تراث العاصمة ومشكلاتها.
(*) يستمر المعرض حتى 23 أب / أغسطس في الغاليري (الأشرفية، بناية سعد بيطار، تقاطع شارع عبد الوهاب الإنكليزي مع شارع دوماني – بيروت).