واقعياً في تصوّراته، ومتواضعاً في طموحاته، كان أمين سرّ حاضرة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين الذي حطّ أمس في بيروت، عندما عبّر عن عدم تفاؤل كبير ينتابه بإمكانية التوصّل إلى حلّ للأزمة السّياسية في لبنان، وفي انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ما عكس تشاؤماً يسود المرجعية الدينية للموارنة والكنائس التي تتبع التقويم الغربي وتستظلّ، كنسياً، تحت مظلّة الفاتيكان.
ولعلّ الموفد البابوي، بارولين، تعلّم الدرس من الموفدين الآخرين الذين وفدوا قبله إلى لبنان، عرباً وأجانب، أملا في إخراج الإستحقاق الرئاسي من عنق الزجاجة، لكنّهم بعد زيارات عدّة وجولات واسعة قاموا بها على مختلف الكتل والمرجعيات السّياسية عادوا بخُفّي حنين بعدما وصلوا إلى جدار مسدود، فإمّا عادوا يجرّون أذيال الخيبة، وإمّا بقوا يراوحون مكانهم، ما جعل بارولين لا يُعبّر عن كبير أمل في ان يكون مصير مسعاه أفضل ممّن سبقوه.
وحتى لا تُفسر زيارته إلى لبنان على أنّها تحمل طابعاً سياسياً لها علاقة بالإستحقاق الرئاسي حسم بارولين الأمر عندما صرّح فور هبوطه من الطائرة أنّه “أتيت إلى هنا بناءً على دعوة وُجهت إليّ للإطلاع على الأعمال والنشاطات لمنظمة فرسان مالطا، وهذا هو السبب لوجودي هنا”، قاطعاً الطريق، أقلّه علناً، على أيّ تأويلات أو تفسيرات لزيارته لبنان، وما قد يحمل في جعبته من أفكار واقتراحات سياسية.
لكن السّياسة والإستحقاق الرئاسي لم تغب نهائياً عن تصريح بارولين من المطار، ولا عن إهتمام الفاتيكان بـ”البلد المسيحي” الرئيسي في الشّرق، ولا عن الأزمات التي تنتابه على مختلف الصعد: سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً، عندما قال بأنّ “هناك قلقٌ كبير من ناحية السياسة في لبنان والأزمة الإقتصادية التي تؤثّر على الفقراء، وهي الأزمة السياسية والأزمة المؤسساتية ومشكلة إنتخاب الرئيس”، قبل أن يُفصح عن مسعى ما سيحاول القيام خلال إقامته في لبنان بضعة أيّام، به وهو أنّه “سوف نحاول قدر الإمكان المساعدة والمضي قدماً في هذا الإتجاه، وقد لا ننجح، ولكنني آمل على الأقل أن أساعد بطريقة ما”.
غير أنّ بارولين لم يُفصح الكثير عما سينوي القيام به من محاولة لمساعدة لبنان في الخروج من أزماته، خصوصاً السّياسية والرئاسية منها، وإن كان البعض يُعوّل في أن يقوم الموفد البابوي بجمع أقطاب الموارنة السّياسيين، والتأثير عليهم بما يملك وتملك بلاده من تأثير معنوي على أتباع مار مارون في لبنان، من أجل توحيد كلمتهم، وتجنّب خلافاتهم التي كانت حتى الآن العائق الرئيسي في إنتخاب رئيس للجمهورية، وإنْ كان بارولين يُدرك مسبقاً أنّ هذه المهمّة تبدو كـ”معجزة” ليست بمتناوله، وأنّ تأثير السياسة والمال على الموارنة خصوصاً والمسيحيين عموماً، كما اللبنانيين، هما بيد دول تملك نفوذاً سياسياً ومالياً في لبنان، وليس نفوذاً معنوياً لا يمكن صرفه كما هو واقع الفاتيكان ومثلها من الدول اليوم.