لا يختلف إثنان على أن المسيحيين في لبنان والأكثرية المارونية منهم على وجه الخصوص، يعيشون أزمة متعددة الجوانب بدءا من الدور والتأثير، مرورا بالخلافات المستشرية بين مكوناتهم وتياراتهم السياسية، وصولا الى الفراغ في رئاسة الجمهورية وإنتقال السلطة الى حكومة تصريف الأعمال والمجلس النيابي.
يرى كثير من الموارنة أن البلد يصمد ويسير بشكل طبيعي من دون مشاركتهم في السلطة وأن الرؤساء والموفدين الدوليين يتقاطرون الى لبنان وتقتصر لقاءاتهم أغلب الأحيان على رئيسيّ مجلس النواب والحكومة في ظل غياب رئيس الجمهورية، الأمر الذي يرفع من منسوب التوتر والغضب لديهم، خصوصا عندما تغيب عنهم بعض المعطيات التي تتعلق بشؤون أساسية في البلاد وخصوصا ما يتعلق بالعدوان الاسرائيلي على الجنوب وأزمة النازحين.
هذا التوتر دفع بالبطريرك مار بشارة بطرس الراعي الى قلب الطاولة بوجه الاتحاد الأوروبي عندما إتهمه بأن تعاطيه مع لبنان في ملف النازحين يؤسس لايجاد مجموعات إرهابية بينهم، وفي ذلك رسالة واضحة من رأس الكنيسة المارونية بوجوب أن يكون على دراية في تفاصيل التفاصيل المتعلقة بالأزمات التي يتدخل فيها الاتحاد الأوروبي.
في ظل هذا الشعور المسيحي بالتهميش وفقدان الدور يطل رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع برأسه مع مجموعة من القواتيين والحلفاء بهدف الاستثمار بمخاوف المسيحيين وتحقيق المكاسب على حسابهم، وتصدر المشهد السياسي من خلال الإيحاء بتشكيل خط الدفاع الأول عن المسيحيين وعن حقوقهم.
يُدرك جعجع أنه منذ خروجه من السجن بعفو خاص في مجلس النواب عقب إستشهاد الرئيس رفيق الحريري قبل ١٩ عاما، لم ينجح في تحقيق طموحاته سواء بالوصول الى رئاسة الجمهورية أو بتزعم المعارضة اللبنانية رغم محاولاته المستمرة التي تبوء تباعا بالفشل، ولم يتمكن من إستثمار الدعم الخليجي له في تحقيق أي من هذه الطموحات، لذلك فإنه اليوم يلجأ الى رفع الشعارات التي تدغدغ المشاعر المسيحية ويعمل على تحريض الشارع وإثارة الغرائز من خلال التخويف من الشركاء في الوطن ومن المصائب التي ستحل بلبنان، وطرح خيارات التقسيم والفيدرالية.
واللافت، أن هذه الطروحات ونتيجة التوتر والمخاوف تلقى رواجا بين بعض الفئات المسيحية، وتدفع بعض التيارات كالكتائب وحركة الاستقلال وغيرهما الى المزايدة على جعجع بالمواقف، طالما انها مربحة بالشكل وتساعد على تحسين الواقع الشعبي المترهل لديهم، حتى أن جعجع نجح في بعض المرات بإستدراج التيار الوطني الحر الى طروحاته مع بعض التحفظات البرتقالية، بالرغم من حالة العداء بين الطرفين والتي تتنامى يوما بعد يوم.
الجميع اليوم يفتش ويبحث ويرفع السقوف السياسية لاستمالة الشارع المسيحي ونيل رضاه، ما يجعل التيارات المسيحية مجتمعة في منافسة غير مجدية على هذه الساحة التي لدى شرائح كبيرة منها هموما معيشية وإجتماعية أكبر من الطموحات الشخصية.
لا شك في أن طروحات جعجع ومن يدور في فلكه بدأت تثير حالة من القلق، خصوصا أن البلد يواجه عدوانا إسرائيليا غاشما، ولا يحتمل سقوفا مرتفعة ودعوات الى التقسيم وممارسات وتصريحات عنصرية من النوع الذي يؤدي الى فتن داخلية، في بلد بات على كف عفريت ولا أحد من التيارات السياسية يريد الصدام أو الحرب فيه.
تشير مصادر سياسية مواكبة الى أن الأمور مرشحة لمزيد من التصعيد على المستوى الداخلي ما يتطلب جهودا من كل المكونات اللبنانية بمختلف طوائفها وتوجهاتها، لإيجاد مقاربات وطنية لكثير من الأزمات، وذلك لقطع الطريق على إستثمارات جعجع وقواته!..