2024- 06 - 28   |   بحث في الموقع  
logo “الحزب” ينعى مزيدا من الشهداء logo بهاء الحريري: معاً سنعمل على إعادة بيروت منارة تجمع اللبنانيين logo مكافأة مالية كبيرة لمنتخب جورجيا logo تفاصيلُ زيارة غالانت إلى واشنطن logo تحطّم قمر اصطناعي روسي في الفضاء logo حزب الله يزفّ 3 شهداء! logo قاسم: المقاومة في لبنان وطنية بامتياز logo واشنطن:نائب اميركي يطالب بايدن بإغلاق رصيف غزة
نبيل دجاني يفتح خزائن الذاكرة.. والجامعة الأميركية
2024-06-22 12:25:31

في كتابه "قبل أن تبهتَ الذّاكرة – حياتي ومشاركتي في أمور الجامعة الأميركية في بيروت" الصّادر حديثاً عن دار نلسن، يسعى نبيل دجاني، البروفيسور في علم الاجتماع والتّواصل، إلى لملمة ذكرياته عن شجرة الحياة، خصوصاً ذكريات حياته الأكاديميّة والإداريّة في الجامعة الأميركيّة في بيروت. وهذه الأخيرة، بالنّسبة إليه، لا تمثّل مرحلة من مساره الأكاديميّ وحسب، إنّما تتخطّى ذلك، لتشكّل بالنّسبة إليه نقطة محورية تتدفق منها مشاريعه العلميّة والبحثيّة وتؤثّر بحزمٍ في مسيرته المهنيّة. وفي الوقت عينه، تبدو لنا الجامعة كتحدٍّ أخلاقيّ دائم له، فقد أفنى عمره في ترسيخ مُثُلٍ عليا أساسيّة لحياة جامعيّة واثقة الخطوة ومتناسقة مع قيمه الإنسانيّة.الطّفولة والتّرحاليستهلّ دجاني كتابه، بتشييد إطاره العائليّ بدقّة شديدة. إذ ينطلق من سيرة والده المفعمة بالحماس الشّبابيّ في خضمّ عائلةٍ حيويّة ليجد نفسه بعد ذلك، طفلًا لوالدين يتحدّيان صعوبات الحياة بعزمٍ وتعاون متين. يشاركنا دجاني، بلهفة الولد البريئة، ذكريات طفولته مع أنسبائه وأقربائه. يعدّد رحلاته الصّيفيّة إلى عاليه، هو ابن فلسطين والمقيم فيها. يعدّد أيضاً أسماء رفقائه وغالبيّتهم السّاحقة من الأقارب من فئته العمريّة، مطلقاً العنان لحماسته المفعمة بالحنين إلى تلك الأيّام.وما يُلاحظ بدقّة في سرديّات دجاني، إنّما هو التّفاعل الحيويّ النّاشط بين شتّى أفراد عائلته الكبرى رغم بعد المسافات بينهم. إذ إن عملية التّلاقي والتّواصل في ذلك العصر، بين ساكني صيدا وعاليه والقدس، لم تكن بالأمر السّهل، إنّما تتطلّب وسائل غير متوفِّرة في الكثير من الأحيان. لكن دجاني، وهو في خضمّ تشكيله صورة طفولته، يمرّ خاطفاً على هذا التّلاقي المدعّم والمتين المحكوم بالبُعد والقصور في إمكانيّات التّواصل العمليّة، كأنّه مسألةٌ عاديّة. إذ لا يميّز التّحديات الجغرافية كعوائق لقيام علاقات ودّ وصداقة عميقة بين الأفراد. ومن منظاره هذا، المترسّخ بصلابة في لغته البسيطة الصّادقة، تبدو لنا هذه المناطق المتفرّقة المتوزّعة بين لبنان وفلسطين وأحياناً سوريا، كأنّها بلدات صغيرة متلاصقة، يمكن الانتقال من الواحدة إلى الأخرى بينها سيراً على الأقدام أو في أسوأ الأحوال عبر رحلة قصيرة بالسّيارة. ويقول في هذا السّياق:"أذكر أن جدتي لأمي كان لها شعر طويل يكاد يلامس الأرض. كانت جدتي ابنة رجل دين بارز في مدينة صيدا. وقد طورنا علاقة وثيقة مع عائلة جدتي وكنا نواظب على زيارتهم في حيفا وصيدا. أذكر قضاء عطلة صيفية ممتعة معهم في قرية حاصبيا جنوب لبنان".لم يعش دجاني في جوّ من الاستقرار الحياتيّ والمجتمعيّ. فبين المعارك والمناوشات المحتدمة بين الإسرائليين والفلسطينيين، وطبيعة عمل والده الخاصّ، فُرِضتْ على دجاني رحلات ترحال عديدة وشيّقة له في مختلف دول الشّرق الأوسط. فكانت له محطّة في عالية ومن ثمّ دمشق حيث أمضى معظم سنين مراهقته ملتحقاً بالكلّية الأميركيّة (مدرسة تبشيريّة بروتيستانتيّة معدِّة للطلاب بغاية قبوله لاحقاً في الجامعة الأميركية في بيروت)، لينتقل بعد ذلك إلى عمّان حيث ركّز والده أعماله هناك. في تلك المرحلة، ترتسم لنا صورة دجاني التّفاعليّ، المتلهِّف للتواصل والتقارب مع أبناء جيله، والمرتبط بمجتمعه برباط الانتماء القوميّ. ويفنّد في الكثير من الأحيان، الأسباب التي حالت من دون أن تجد عائلته، وهو ضمناً، الاستقرار والأمان الحقيقيّين اللّذين يطمحون إليهما، ومن أكثرها تواتراً، هي الصّعوبة القاتلة في خلق جوّ من التآلف والصّداقة مع أبناء هذه المناطق. إذ إن الصّعيد الاجتماعيّ، يتبلور أكثر فأكثر أمامنا، كمعيار أساسيّ عند دجاني لتقييم فعاليته وأدائه وراحته.المعارك صديقات وفيّاتفي الجزء الثّاني، اللّافت للنّظر في سيرة دجاني الأكاديميّة، يحكي البروفيسور في علم الاجتماع، القادم من أميركا، عن حثّه الدّائم لنفسه أوّلًا ثمّ لزملائه في الميادين التعليميّة والإداريّة والبحثيّة، على التّشبّث بالقِيَم والمُثُل العليا التي يزرعها العلم والحقّ في نفس الإنسان. فبالنّسبة إلى دجاني، لقد ارتبط اسمه، بمحاذاة الشّقّ التّعليميّ المتخصّص في علم الاجتماع والتواصل الجماهيريّ، بشؤون خرّيجي الجامعة الأميركية في بيروت ليس على صعيد المدينة أو الوطن فحسب، إنّما على صعيد العالم أجمع.عمل دجاني مطوّلًا في خدمة الجامعة الأميركية في بيروت، وقد اتّسمت نظرته إليها بحسٍّ عالميّ تطوّريّ. فهو انخرط في الجمعية العالمية لخرّيجي الجامعة الأميركي وبحث في تحسين ظروف أولئك الخريجين، وليس فقط المنتسبين إلى الجمعيّة المعنية حصراً بخرّيجي مدينة بيروت، بشكلٍ جدّي وفاعل. وفي هذا السّياق، عانى دجاني كثيراً من المضايقات الحقوقيّة والأكاديميّة من شتى الأجهزة الإداريّة في الجامعة، التّوّاقة لفرض هيبتها وسلطتها وقواعد اللّعب الخاصّة بها على العلاقات التي تربط ما بين الخرّيجين حول العالم وبين جامعتهم الأمّ. محاولات دجاني العديدة للوصول إلى مبتغاه، بتشكيل جمعية عالمية للخرّيجين تتمتّع بالاستقلال اللّازم والهيكليّة الفعاّلة، تشبه بشدّة تلك المحاولات الحثيثة التي قام بها والده بحثاً عن عملٍ مستقرّ وجدير بالثّقة يؤمن له ولعائلته حاجاتهم الأساسيّة. إن سعيه وراء تثبيت نظام واحد لخرّيجي الجامعة الأميركية في بيروت حول العالم، نابعٌ من تمسّكه القاطع بالقيم الأساسية للحياة الاجتماعيّة، كالحرّيّة والاستقلال ورفض علاقات التّبعيّة والهيمنة المستترة. يتابع دجاني عن كثب، تدوين تتباع الأحداث الذي عمّق الشّرخ الكبير بين الجمعية العالمية والجامعة المتمثّلة ببعض أجهزتها، التي لا يتوانى دجاني مطلقاً عن ذكر اسمها مع العديد من المراسلات الدّاعمة لموقفه. من وشك وصوله إلى سدّة رئاسة الجمعيّة إلى استقالته المدبّرة ومن ثمّ إلى محاولة حثيثة أخرى لتبوّء الرّئاسة تكلّلت بالنّجاح، لم يكلّ يوماً دجاني عن العمل على تدعيم موقفه الحقّ في إقامة نظام حوكمة شفّافٍ وفعّال يمنح الجامعة بُعداً رائداً في التّعامل مع خرّيجيها. ويقول دجاني معبّراً عن رؤيته الإداريّة:"كان التزامي تجاه الجامعة ومهمتها هو الدافع الرّئيسي لي للسعي إلى قيادة WAAAUB (الجمعية العالمية لشؤون خرّيجي الجامعة الأميركيّة في بيروت). يجب التّغلّب على الصّعوبات الهائلة قبل أن يبدأ WAAAUB طريقاً سلساً للمساهمة بشكل هادف في تطوير الجامعة. […] خريجو الجامعة الأميركية في بيروت هم أحد الرّكائز الأربع (الطلاب وأعضاء هيئة التدريس والموظفين والخريجين) التي تقوم عليها الجامعة. و WAAAUB هي المؤسسة المعترف بها من قبل مجلس أمناء الجامعة باعتبارها الهيئة التي تمثّل وتقود خريجي الجامعة في أنحاء العالم في علاقتهم مع جامعتهم الأم وبالتالي لا يمكن أن تكون مستقلّة عن الجامعة. […] لا بدّ ل WAAAUB من التّمتع باستقلالية تامة في إدارة شؤونها الخاصة ضمن السياسات العامة للجامعة وفقاً لما يقرره مجلس الأمناء. وأن تعمل بشكل وثيق مع مسؤولي شؤون خريجي الجامعة ولكن لا أن تدار من قبلهم".بهذا الكلام الواضح والصادق، يختصر دجاني نظرته للجمعية الأساسيّة التي انتخب للتوّ رئيساً لها. إن الاستقلاليّة وتنظيم العلاقات هما الحلّ الوحيد والفعّال في سياق بناء إطار متين وحيويّ لخرّيجي الجامعة، العمود الرّابع لهذا الصّرح الأكاديمي التّاريخي.أبعد من العِلمكثيراً ما ترتسم في مخيّلتنا صورة الأستاذ الجامعيّ المتعجرف غير الآبه بشؤون طلّابه فكيف بخرّيجي الجامعة التي يدرّس فيها. إن مهنة التّعليم الجامعيّ ارتبطت ولا تزال في أذهان الكثيرين، بكبرياء وتسلّط غير مبرّرين مع ضغط شديد ممارس على الطّلاب. لكن مع دجاني، يمكننا بوضوح القفز فوق هذه الحواجز لنرى معه كم أن العِلم قادرٌ على الدّفع بالقيم إلى التّحقق، لكن بثمنٍ باهظ ومُستحِقّ.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top