2024- 06 - 28   |   بحث في الموقع  
logo "NBC": أميركا تستعد لعمليات إجلاء والإسرائيليون مصممون على الحرب logo وهم إسرائيل و"عقلانية" أميركا: رسائل مطمئنة للبنان تستبعد الحرب logo اليوم العالميّ لمساندة ضحايا التعذيب: سجل لبنان المخزيّ جدًا logo “الحزب” ينعى مزيدا من الشهداء logo بهاء الحريري: معاً سنعمل على إعادة بيروت منارة تجمع اللبنانيين logo مكافأة مالية كبيرة لمنتخب جورجيا logo تفاصيلُ زيارة غالانت إلى واشنطن logo تحطّم قمر اصطناعي روسي في الفضاء
"اقتصاد من أجل الجميع": أطلس اللامساواة
2024-06-22 11:25:28


على الرغم من عنوانه الواعد، فإن كتاب "أقتصاد من أجل الجميع: دراسات في توزيع الموارد" من إصدار دار المرايا هذا العام، ومن تحرير محمد جاد، لم يقترح وصفة جاهزة لاقتصاد عادل، بل بالأحرى ركز على تقديم مسح واسع لأدب اللامساواة في مصر، وعبر ثمانية فصول لثمانية من الباحثين، وظف أدوات بحثية متنوعة لقياس اللامساواة وتطورها على خط السياسة وانعكاسها على حياة قطاعات واسعة من المصريين.
في الفصل الاول، "التحولات التعليمية في القرن الواحد والعشرين"، ترصد نهى رشدي عملية إعادة تعريف الدولة لدورها في النظام التعليمي وتحوّلها من ممول إلى مستثمر، وكيف تم تهيئة المؤسسة التعليمية لتتحول إلى مساحة لعمل السوق. فبينما كان الهدف الرئيسي لنظام التعليم في الحقبة الناصرية هو الحد من اللامساواة الطبقية، فإن تتبع التحولات التشريعية منذ العام 1980 إلى 2022 يكشف عن أن اللامساواة الطبقية في نظام التعليم أضحت عملية متعمدة وليست مجرد نتائج غير مقصودة لسوء الإدارة. وفي هذا السياق، يقسم الفصل عملية الخصخة التعليم إلى خصخة خارجية وخصخصة داخلية. الخصخصة الأولى انتقلت إلى مرحلة جديدة بحكم قانون 2022 الذي سمح بتحقيق الربحية من المؤسسات التعليمية وفتح الباب أمام غير المصريين والصناديق الاستثمارية لتملك المدارس وإدارتها. أما الخصخصة الداخلية فتظهر في صورة المدارس الحكومية المتميزة ذات المصاريف، والازدواجية المنهجية في الممارسات التعليمية للدولة، بحيث تقدم الدولة للتلاميذ فرص تعليمية متفاوتة بحسب القدرات المادية للأسرة. في المجمل، انتهت الدولة المصرية إلى تبني التفاوت الطبقي كمرجعية لتوزيع الفرص التعليمية.
تنطلق مريم عطا الله في الفصل الثاني، "قراءة نقدية في خطاب إصلاح الطاقة" من حقيقة أن الدولة قامت في سبعة أعوام فقط، بتقليص دعم الطاقة من 6.8 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2013 إلى 0.3 بالمئة في العام 2020. وعلاوة على أن الفصل يسرد تاريخ وجيز لعملية خفض الدعم عن الطاقة في مصر، فإنه يقوم بنقد كيفية تعاطي المؤسسات الدولية مع ملف الطاقة وتوصياتها الملحة لعقود بتحرير أسعارها. وفي هذا السياق، يتم استعراض المنهجية الأساسية في دراسات المؤسسات الدولية، وهي نماذج التوازن العام، ومن ثم كشف أوجه قصورها. وغير العيوب النظرية، فإن الفصل يتتبع آثار رفع الدعم على الشرائح الأكثر فقراً، والتبعات الأوسع على الاقتصاد، فبدلاً من تحسن المعاملات الكلية للاقتصاد، حدث العكس، فمع إلغاء الدعم ارتفع التضخم وتراجعت معدلات النمو والناتج الإجمالي.
أما الفاصل الثالث، المعنون "الأثر الاجتماعي لأثر الدولار على الاقتصادي العالمي" فيلجأ فيه محمد جاد إلى منظور مدرسة النقود الدولاتية. وبالاستشهاد بتلك المدرسة النقدية، يحول الاهتمام بعيداً عن فائض القيمة في مكان العمل، لصالح التركيز على الاستغلال الأفدح الذي يتحقق عبر السياسات النقدية. فالنقود بهذا المعنى ليست مجرد حامل محايد للقيمة، بل هي مساحة للتفاعل الاجتماعي منحازة بشكل مبدئي إلى طبقات بعينها، وعبرها تقوم الدولة بإعادة توزيع الموارد الحقيقية بحسب الترتيبات الطبقية في المجتمع. وعلى مستوى دولي، تلعب الدولة المصدرة لأقوى عملة، وهي الدولار، بدور حكومة العالم، وتقوم بعملية مشابهة لإعادة توزيع الموارد بحسب تراتبية العلاقات الدولية. وعلى خلاف توصيات المؤسسات الدولية التي ترى أن أصل المشكلة الاقتصادية في مصر تكمن في السياسات المحلية، فإن الفصل يسعى للتدليل على أن المعضلة تتعلق بالنظام المالي العالمي. وفي ذلك السياق يدلّ على أن الاندماج في النظام المالي العالمي ادخلنا في عصر من الاضطراب الكبير، تمثلت في تعويمات متوالية لقيمة العملة المحلية.
وفي سياق قريب، يقوم أسامة دياب في الفصل الرابع، "مستويات الأجور وآثارها على التجارة الدولية" بتحدي الحكمة الرائجة بأن جوهر مشكلة عجز الميزان التجاري في مصر يكمن في استيرادنا أكثر مما نصدر، ويقترح بدلاً من ذلك أن الصادرات المصرية مقيمة بأقل من قيمتها بينما الواردات القادمة من الشمال العالمي مقيمة بأعلى من قيمتها. وفي سبيل التدليل على ذلك يستعين بأطروحة التبادل اللامتكافئ لمدرسة التبعية، بالإضافة إلى حساب الكلفة البيئية.
في الفصل الخامس، "نظرية أولية على توزيع الدخول في الاقتصاد العالمثالثي"، سعي مجدي عبد الهادي لدمج عدة عناصر من بين الداخلي والدولي للوصول إلى هيكل نظري أساسي لتفسير التفاوت في الدخول، وبالأخص التفاوت الأوسع في الدخول المتولدة عن الملكية مقارنة بتفاوت دخول الأجور. عبر تفصيل عوامل التحيز الحضري، وفائض العمل والهيكل الإنتاجي المحلي، والموقع الطرفي لمصر في تقسيم العمل الدولي، والهيكل المؤسسي وفوائض القوّة، تتجمع عناصر طرحت في الفصول السابقة، لتشكل بنية أشمل لدائرة التغذية الذاتية للتفاوت.
إن كانت الأزمة العالمية العام 2008 تفجرت بسبب التشوهات في السوق العقاري في الولايات المتحدة، فإن الفصل السادس لمحمد رمضان، "التفاوت في الثروة ومعضلات السكن"، يتطرق لأمولة القطاع العقاري في ظل النيوليبرالية بتركيز على الحالة المصرية. وعلى تلك الخلفية، يوضح كيف تحول النشاط العقاري من مجال خدمي يقدم حق السكن إلى فرصة للمضاربة ومراكمة الثروة لمالكي الفوائض المالية. بالمثل، في الفصل السابع، المعنون "الطعام بين الندرة والوفرة"، تنطلق نورهان فهمي من أزمات الجوع العالمية، من أزمة 2008 وحتى أزمة الحرب الأوكرانية 2020. يرصد الفصل تدهور أوضاع الأمن الغذائي في المنطقة العربية، وبالأخص في مصر خلال الأعوام القليلة الماضية، وكذلك اللامساواة الصريحة في توزيع عبء زيادة الأسعار، حيث تمثل نفقات الغذاء ما يقرب نصف إنفاق الأسر الأقل دخلاً. وعلى خلفية أنعدام الأمن الغذائي لثلث المصريين بدرجات متوسطة أو شديدة فإن تغير أنماط الغذاء بدافع التوفير أثناء الأزمات يترك أثراً طويلاً على الصحة، لتكتمل دائرة اللامساواة المغلقة بالجوع تاركة آثارها على أجساد ضحاياها.
في الفصل الأخير، "فجوات العدالة ودور المؤسسات الصحية" يكشف أيمن سبع العيوب وأماكن العماء وعناصر اللامساواة المؤسسية التي تتخلل مساعي مؤسسات الدولة لتعميم خدماتها الصحية. وفي ذلك السياق، يفحص الفصل عدد من المشاريع مثل التشخيص عن بعد في الأماكن النائية والحدودية، وتوفير الفوط الصحية للنساء في السجون، وبرنامج التأمين الصحي الشامل للنساء المعيلات. وفي تلك النماذج جميعها، يتضح الفارق الشاسع بين النصوص الدستورية والتشريعية والنوايا الرسمية المعلنة وواقع التنفيذ المفتقد للمساواة على أرض الواقع.
بطبيعة الحال، لا يغطي الكتاب كافة أوجه اللامساواة، بل يقدم بعضاً من نماذجها، كدليل للملاحة على خريطتها المعقدة والمراوغة، وهو ما يكفي للكشف عن بعض من الممارسات المنهجية والبنى والآليات التي تعمل بدأب على تكريس التراتبية الاجتماعية محلياً، وترسيخ التفاوت في العلاقات الدولية بين الشمال والجنوب.



المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top