شجِّعوا منتخب تركيا..من أجل السوريين
2024-06-22 08:25:35
فاز المنتخب التركي على جورجيا بثلاثة أهداف مقابل هدف في مباراته الأولى ضمن كأس أوروبا، وهكذا مرّ يوم الثلاثاء الفائت على السوريين في تركيا بلا منغّصات. فبحسب سخرية رائجة في أوساطهم كان يمكن، لو خسر المنتخب التركي، أن يعزو متطرفون أتراك الخسارة إلى وجود عدد كبير من اللاجئين السوريين في تركيا. ولم يكن مستبعداً في حال الخسارة أن يخرج غاضبون إلى الشوارع، وأن ينفّث البعض عن غضبه بالاعتداء على منشآت أو تجمعات لسوريين، وهذا يختلف بالطبع عن تظاهرات الفرح المنفلتة التي قد تخلّف بعض الضحايا من دون أن يكونوا مستهدفين عمداً على النحو الذي تشير إليه السخرية السابقة.
استئنافاً للسخرية السوداء ذاتها، سيكون من حسن حظ اللاجئين السوريين في تركيا إذا فاز المنتخب التركي في مباراته يوم السبت أمام البرتغال، فالفوز سيضمن له التأهل إلى الدور الثاني وهو إنجاز سيريح أعصاب الجماهير التركية بصرف النظر عمّا يليه. ولئن كان من المتوقّع أن تشجّع نسبة كبيرة من اللاجئين في تركيا منتخب البلاد، بحكم الرابطة التي تنشأ مع البلد المضيف، فإن بروز دافع الخوف يخلخل تلك الرابطة المعهودة مثلما يكشف عن عدم استقرارها أصلاً.
الخوف المقيم لدى اللاجئين السوريين في تركيا يبقى أخفّ وطأة مما لدى نظرائهم في لبنان، فتركيا بلد يحكمه القانون ولو بحدٍّ متدنٍّ عن البلدان الأوروبية. أما في لبنان، وعشية اليوم العالمي للاجئين في العشرين من حزيران، فقد هدد مدير عام الأمن العام بالإنابة إلياس البيسري مفوضية اللاجئين بتطبيق الخطة (ب) التي أصبحت جاهزة، وبموجبها سيعتمد الأمن العام بوسائله داتا خاصة باللاجئين السوريين في لبنان، مع ما يُنذر به ذلك من تضارب مع تصنيف المفوضية الدولية.
ومن المعلوم أن المفوضية لديها داتا خاصة بقرابة 800 ألف لاجئ سوري، وقد قدّمتها في الصيف الماضي للجهات اللبنانية المختصة، مع الاحتفاظ ببعض البيانات الخاصة بهم التزاماً بالقوانين الدولية. وإذا كانت الحديث يتكرر عن وجود مليوني سوري في لبنان فإن داتا المفوضية تشير إلى كون نسبة اللاجئين لا تتعدى 40% من العدد الإجمالي، وعلى ذلك تستطيع الجهات اللبنانية المتحمّسة لترحيل السوريين، إذا كانت النوايا صادقة، أن تعيد أعداداً ضخمة من المهاجرين الذين لن تكون حيواتهم مهددة في حال العودة. إلا أن الإصرار على إعادة أولئك المشمولين برعاية المفوضية الدولية يكشف عن انتقائية من نوع مختلف تماماً، انتقائية مسيَّسة تستهدف الشريحة الأضعف من بين السوريين الموجودين في لبنان.
استسهال التصويب على اللاجئين صار له سند دولي معتبر مع صعود موجات اليمين المتطرف والشعبوي في الغرب، فبعد شهور قليلة قد يعود ترامب إلى البيت الأبيض مع إنذار بأن تكون ولايته الثانية وبالاً على اللاجئين والمهاجرين في بلد يشكّل فيه السكان الأصليون نسبة لا تُذكر! وقبل أيام شهدت انتخابات البرلمان الأوروبي صعوداً لليمين المتطرف، فكان على سبيل المثال الفائز الأكبر في فرنسا التي تشير استطلاعات الرأي فيها إلى تقدمه في الانتخابات النيابية المحلية التي ستُجرى نهاية حزيران.
بتبسيط شديد، يحمّل اليمين المتطرف اللاجئين مسؤولية الأزمات في الغرب، وعلى ذلك يدّعي أنه سيحلّ المشاكل جذرياً بطرد قسم منهم وإغلاق الحدود على نحو تام في وجه موجات جديدة. يرفع اليمين المتطرف الشعارات المتعلقة بهوية البلاد، والحزب الأشد تطرفاً في فرنسا يسمّى حزب الاسترداد، وتقوم التسمية على استرداد فرنسا من المهاجرين واللاجئين الذين يزعم أنهم سيطروا عليها جزئياً وفي سبيل محو "هويتها" نهائياً.
تحت شعارات الهوية يبقى العامل الاقتصادي هو الأقوى تأثيراً على الناخبين، ولأن الأحزاب التقليدية فشلت حتى الآن في تقديم حلول واقعية يبدو الحل الذي يقدّمه اليمين المتطرف هو الأقل كلفة، أي إلقاء ملايين المهاجرين خلف الحدود، ما يعني التخلص من عبئهم الاقتصادي والاجتماعي، وإعطاء فرص العمل التي يشغلونها لأبناء البلد "الأصليين" ومن صار بحكمهم. يُذكر أن هجرة الرأسمال الصناعي الغربي، إلى دول شرق آسيا مثلاً، قد غيّرت إلى حدّ كبير خريطة سوق العمل العالمية، حيث يُنتظر تفاقم أزمة البطالة في الغرب مع تطور تقنيات الجيل الخامس للأنترنت والذكاء الاصطناعي والروبوتات.
واقعياً، بدأ التضييق على اللاجئين في دول لم يصل فيها اليمين المتطرف إلى سدّة الحكم بعد، وإجراءات التضييق يتم تجاهلها إعلامياً إلى حد كبير تحت شعار أنها لسحب البساط من تحت اليمين المتطرف الذي سيستغل إشهارها للتصويب على أحزاب الوسط ويمين الوسط الحاكمة بالقول أنها تعاديه بينما تتبنى عملياً بعضاً مما يطالب به. أيضاً في المثال الفرنسي، بدأ منذ شهور تشكّي اللاجئين من بطء شديد جداً يلاقونه في تسيير معاملاتهم الإدارية الخاصة بتجديد الإقامة وما يلتحق بها، والذي كان يُنجز في دقائق أو ساعات بمراجعة الدائرة المختصة صار يستغرق عبر الأنترنت شهوراً لا يستطيع فيها اللاجئ معرفة مَن يسوّف في تنفيذ الإجراء.
غاية العراقيل التي توضع أمام المهاجرين في أوروبا ليست طردهم، بما أن القوانين المعمول بها حتى الآن لا تتيح هذا الخيار؛ الغاية هي تداول هذه المعلومة، وهو أيضاً ما نفعله الآن بكتابة هذه السطور! هنا ثمة مكر يكسب أصحابه حتى عندما تُفتضح أفعالهم، فالغاية الأساسية للتضييق على اللاجئين في العديد من دول الغرب هي إيصال رسالة للاجئين المحتملين، وتقديم العبرة لهم قبل قدومهم. وهكذا يخدم النشر الغايةَ التي يريدها هؤلاء بإيصال رسالتهم إلى أكبر عدد من المستهدفين، خاصة أن المزاج العام الغربي غير جاهز إطلاقاً للتعاطف مع ضحايا التضييق.
تشير الإحصائيات إلى أن عدد اللاجئين السوريين هو الأضخم في هذا القرن، والعدد الكلي يزداد إذا احتسبنا ملايين النازحين في مناطق خارج سيطرة الأسد، وقد يختارون مغادرة البلاد متى أعيدت مناطق وجودهم إلى سيطرته. هذا التحديد لا يعني أن الموجودين تحت سيطرته راضون بالبقاء، فقد شهدت السنوات الأخيرة هجرة واسعة منهم في اتجاه لبنان والعراق والسودان والصومال وسواهم. وإذا كانت القوانين الدولية تميّز بين اللاجئ والمهاجر على أن الأول لا يتمتع بحماية دولته بل هو مضطهد منها، بينما المهاجر يسعى إلى تحسين معيشته، فإن المهاجر السوري لا يحظى بالرعاية المفترضة من "دولته"، وهذا في جذر استضعافه أسوة باللاجئ، مثلما هو جذر المصيبة السورية التي أوصلت البعض إلى اللجوء والبعض الآخر إلى الهجرة.
يستحق يوم العشرين من حزيران أن يكون يوماً وطنياً للسوريين، لاجئين ومهاجرين. ويستحقون، على الأقل، عالماً أرحم لا يخشون فيه من عواقب لنتيجة مباراة.
عمر قدور-المدن