فتح تحذير الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله الحكومة القبرصية من مغبّة السّماح للعدو الإسرائيلي وحلفائه باستخدام أراضي الجزيرة المتوسطية لتكون منطلقاً في أيّ حرب محتملة ضد المقاومة في لبنان، أبواب القلق على مصراعيها خشية أن يؤدّي ذلك إلى اتساع رقعة الحرب إلى حدود ودول كانت حتى الأمس القريب بمنأى عنها، مع ما يرافق ذلك ويعقبه من تداعيات.
المخاوف من تطوّر الحرب، في حال وقوعها واتساعها، ليس مقتصراً على هذا الجانب فقط، إنّما هو أحد تفرعاته الكثيرة والمعقدة، بل إنّ جانباً مهمّاً من جوانب هذه الحرب جعل كثيرين يحذّرون منه، ويرون فيه تطوّراً دراماتيكياً لن تستطيع دول ومنظمات عدّة أن تتحمّل تبعاته، ما جعلهم يرون أنّه قد “يُفرمل” من إندفاعة البعض نحو الحرب الواسعة، نظراً لتداعياته الواسعة على مختلف الصعد.
مراقبون أشاروا إلى أنّ التحذير الذي وجّهه نصر الله إلى الحكومة القبرصية ليس إبن ساعته، بل سبقته رسائل تُعبّر عن إستياء الحزب من مشاركة قبرص في أيّ اعتداء محتمل على المقاومة ولو من الباب الخلفي، على شكل دعم لوجستي أو تسهيل إستخدام القواعد العسكرية والموانىء أمام العدو وحلفائه، والسّماح قبل ذلك للعدو الإسرائيلي بإجراء مناورات عسكرية على أراضيها لهذه الغاية، ولعلّ هذا ما دفع بالرئيس القبرصي للقدوم إلى لبنان مرتين برفقة مسؤولين في الإتحاد الأوروبي، في الآونة الأخيرة، ولقائه المسؤولين اللبنانيين للتباحث معهم في قضايا وهواجس مشتركة، إنّما من غير أن يتم الإعلان بأنّ لقاءات الرئيس القبرصي تطرّقت إلى الجانب الذي أشار إليه نصر الله في خطابه الأخير.
غير أنّه ليس خافياً أنّ القلق الأوروبي، وفي مقدمه قلق القبارصة، قد ارتفع في الأشهر والسّنوات الأخيرة من ازدياد منسوب الهجرة غير الشرعية عبر البحر نحو أوروبا، وهي هجرة تُعتبر قبرص، إضافة إلى تركيا واليونان وإيطاليا في مراتب تالية، وجهتها الرئيسية كونها الأقرب إلى لبنان من حيث المسافة، حيث حفلت الأشهر الماضية بتوجه أعداد كبيرة من النّازحين، سوريين ولبنانيين وفلسطينيين، نحو الجزيرة وهم في طريقهم نحو القارة العجوز.
ويُدرك القبارصة، ومعهم دول الإتحاد الأوروبي، أنّ أيّ حرب واسعة في لبنان ستعني أنّ موجات هجرة واسعة، لعلّها ستكون الأكبر في التاريخ الحديث، ستتوجه من سواحل لبنان نحو قبرص والدول الأوروبية، وأنّ أغلب النّازحين السّوريين الذين يزيدون على مليوني نسمة، إضافة إلى لبنانيين وفلسطينيين، لن يوفّروا وسيلة، بل قد يجدونها فرصة مناسبة لهم، للهروب من جحيم الحرب المتوقعة في لبنان باتجاه أوروبا.
من هنا يُدرك القبارصة، ومعهم دول الإتحاد الأوروبي ودول معنية بالنزاع في المنطقة، أنّ لا مصلحة لهم في نشوب حرب واسعة قد تخرج عن السيطرة، ستكون تداعياتها واسعة ولن يكونوا بمنأى عنها، وهو ما قد يدفعهم إلى القيام بجهود وبإعادة حسابات مختلفة لتفادي وقوع الحرب التي قد يعرفون متى وكيف يدخلونها، ولكنّهم لن يعرفوا متى وكيف سيخرجون منها.
(موقع سفير الشمال الإلكتروني)