2024- 06 - 27   |   بحث في الموقع  
logo المخدرات الاصطناعية.. “التهديد الأخطر” logo رفض "الواقعية" يجهض مبادرة الفاتيكان: الصراع الداخلي والحدودي يتأجج logo ما جديد غارة النبطية؟ logo إرتفاع حصيلة العدوان الجوي في النبطية logo بعد غارة النبطية.. إعلان مهم من وزير التربية عن الإمتحانات الرسمية logo ربّطوه على آلية إسرائيلية... جريحٌ فلسطيني يروي! (فيديو) logo "لم تُقاوم على الفور"... قضية اعتداء جنسي تثير الجدل! logo ارتفاع حصيلة ضحايا غزة... واسرائيل مسيطرة على محور صلاح!
صراع المظلوميات في غزة
2024-06-19 11:55:31

المظلومية هي العنصر الأكثر حسماً في جلب الماضي إلى أرض السياسة، أو بمعنى آخر تحويل ذاكرة المعاناة إلى رأسمال سياسي يكاد لا ينضب. في الأساس، يمكننا اعتبار نكبة الفلسطينيين مؤسسة على قضية مظلومية، كونها نتيجة الاعتراف بالدَّين الأوروبي تجاه ضحايا الاضطهاد التاريخي من اليهود. وكما كانت المظلومية في هذا الحالة ميراثاً، أمكن مقايضة صكوكه بتعويضات دفعت من رصيد الغير، فإنها كانت ولا تزال رخصة للقسوة تجاه الفلسطيني. لكن الحق في المظلومية لا يُوزّع بالتساوي، فثمة اقتصاد للاعتراف بالظلم وتاريخ معقد يؤطر موازينه، لا يقدم الفلسطيني فقط كقربان للتكفير عن ذنوب الأوروبي القديمة، بل وأيضاً يحرم حتى من حق الاعتراف بالظلم الواقع عليه في الحاضر، وبالتالي بالحق في مقاومة هذا المظالم. الأفدح أن الفلسطيني بهذا المعني، يُعدّ جانياً لا مجنياً عليه، بحيث تغدو المظلومية مضعفة. تتفاوت المظالم في أطوال أعمارها الافتراضية، اليهودي ضحية أبدية وبالتالي مظلوميته حية لا تموت، ومتجددة ويمكن استدعاءها في أي لحظة، لأغراض عديدة منها تبرير الغبن الفادح ضد الفلسطيني وغيره، ومنها الإعفاء من المحاسبة.الحال أن المظلومية ليست شعوراً ماسوخياً يستعذب تذكر آلام الماضي، بل هي الوجه الآخر للاعتراف بالحقوق، الحق في جبر الظلم والحق في التعويض والحق في الحماية. الظلم الواقع على الفلسطيني-وإن لم يعد من الممكن إنكاره- ينزع عنه طابعه السياسي، ويؤطر بين قوسي الإنساني والإغاثي، وبحسب لوجيستيات دخول الإعانات وأسقاطها جواً أو تمريرها بحراً. وفي خضم مداولات فتح المعابر وأغلاقها، لا يعود الفلسطيني صاحب مظلومية، بل مجرد عبء على ضمير العالم، تتم إعالته يوماً بيوم.إلا أن صراع المظلوميات المسقطة على غزة اليوم أوسع من هذا بكثير وأكثر تشابكاً، في منطقة تنضح بمظالمها المتراكمة ويتعدد جلادوها الكثر من بين أهلها ومن الخارج. في اليمن وفي لبنان وبالأخص في سوريا، ضحايا مذابح لم تتوقف بعد وضحايا استبداد طويل الأمد، والجناة من ضمن المحسوبين على معسكر "المقاومة". هؤلاء الضحايا بدورهم، قدموا قرابين بإسم المظلومية الفلسطينية وبإسم مناهضة الاستعمار وبإسم طيف من أيديولوجيات مجروحة ومؤسسة على خسارات الماضي. في المخيلة الحية لملايين العرب، لا ترتبط شعارات الممانعة سوى بالاستبداد والسجون والرعب وذاكرة مذابح قريبة وبعيدة.من السودان، وفي ظل حربه الطويلة المنسية وضحاياها المعلقين على حافة المجاعة، تتردد استغاثات غاضبة وخافتة على وقع وسوم "السودان لا بواكي له"، وهي تشير عن حق إلى تفاوت في تغطية الإعلام وتفاوت في الفجيعة الجماهيرية على الضحايا، وتنسب ذلك الظلم إلى تراتبية للتعاطف وتمييز على أساس اللون. في هذا أيضاً، تصبح مظلومية السوداني مضعفة.ولا يقف الأمر هنا، ثمة نساء وأقليات وغيرهم من فئات تنتمي للأغلبيات ذاقت تهديداً وتنكيلاً على أيدي جماعات وإيديولوجيات تنسب نفسها للإسلام السياسي، وذلك على مدى عقود، لهؤلاء مظلومياتهم الخاصة، وبفعلها يجدون غضاضة مفهومة في الانضواء تحت مظلة واحدة مع المقاومات الإسلامية، أو لا يعثرون -ولو حاولوا- على مكان مقبول لهم في هندسة الاصطفافات ومواقعها، وهي المرسومة على خيارات حدية، بمعيار إما مع أو ضد. في مصر وفي بلدان أخرى، تضحى غزة مجرد شاشة إسقاط للصراعات المحلية، لمخلية متمحورة على نفسها، فيتم اختزال المقتلة الدائرة في القطاع في صراع بين محور "الاعتدال" ومحور "الممانعة" أو بين منطق الميلشيا ومنطق الدولة، أو بين العلمانية والثيوقراطية.دعوات وحدة المظلوميات حسنة النية تتحرى المنفعة المشتركة، وهي محقة بالفعل. لكن براغماتية التضامن بين الضحايا بصورتها تلك تفترض أن ثمة رجاء في خلاص مشترك وشامل، لكن الواقع هو أن الخراب الواسع المحيط بنا قد ترك مساحة ضئيلة لمثل هذا الأمل.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top