2024- 06 - 26   |   بحث في الموقع  
logo قبل قليل.. بيانٌ من “حزب الله” وهذا مضمونه logo بارولين زار برّي وميقاتي: سأل عن الدستور ووازن بخطابه logo الخير أطلع ياسين على رؤيته لحل ملف النفايات في المنية logo تهديد بـالتصعيد.. نداءٌ وتحذير من لجنة مياومي كهرباء لبنان! logo عن الوضع المُتوتّر بين لبنان وإسرائيل… هذا ما أعلنه البيت الأبيض logo زكي التقى ميقاتي: تحديات كبيرة تواجه لبنان وندعو إلى التوافق logo لمناسبة رأس السنة الهجرية… إقفال الإدارات والمؤسسات العامة! logo هبة القواس لوزير الثقاقة : اعوّل على رؤيتك والتزم بتوجيهاتك
الإدمان على الدحيح
2024-06-18 10:25:27


غالباً ما كنت أتجنب "الدحيح" إذا اعترض طريقي واحد من فيديوهاته. مردّ هذا النفور قد نجده في ما نكوّنه من تنميط بحق نجوم سوشال ميديا مكرسين وبحق صناعة المحتوى بشكل عام، والتي، في الكثير منها، مجرد إعادة تدوير لمحتوى ويكيبيديا.ثم أن هذا الشاب بالتحديد، أحمد الغندور أو الدحيح، يبدو دائماً متوتراً. يحكي كأنه يخوض سباق المئة متر، وما أن يجد المشاهد نفسه في الفيديو حتى يشعر أنه يجري مع الدحيح والحلقة وسط عجز عام عن التقاط الأنفاس.هكذا، ومن مدرسة عتيقة تفضل القراءة الصامتة على المشاهدة، قررت في لحظة تخلٍ إجباري على مشاهدة حلقة كاملة لأن كاتبها صديقي ومن اللطف والود بين أبناء المهنة الواحدة الاهتمام المتبادل بالانتاج، مكتوباً كان أم دحيحاً.
متحاملاً على نفسي، بدأت بمشاهدة حلقة "الحشاشين". وإذ بي اكتشف أن الغندور ليس ممثلاً كوميدياً محترفاً فحسب، بل إنه حكّاء بارع على ما سأسمع لاحقاً الكاتب طاهر المعتز بالله يصفه في بودكاست، وقبل هذين الصفتين فإن الدحيح، سجين الغرفة الضيقة، الوحيد، مرح ومهضوم وخفيف على القلب.
خفة الدم لا تكفي، وإن كانت ضرورية. عملاً بنصيحته التي يختم بها كل حلقة، ذهبت أشاهد الحلقات السابقة، فتبين أن لديه، حرفياً، المئات منها في شتى أنواع العناوين التي تبدو غير مترابطة، من "الدجاج" إلى "اللانهائية". كأنه يفتح القاموس كيفما اتفق وحيث تقع سبابته يختار عنوان حلقته وموضوعها. لكن كل هذه الحلقات صنعت بناء على وصفة واحدة: بحث معمق وكتابة متينة جداً، ولغة حديثة ومعالجةٌ تذهب ذاك الميل الإضافي في الجهد لجذب المشاهد من الدقيقة الأولى وحتى الأخيرة.
الدحيح حين يخوض في نظرية كالنسبية مثلاً، فإنه لن ينهي حلقته قبل أن يكون أكيداً من أن كل مشاهديه، على اختلاف فئاتهم العمرية وتحصيلهم العلمي، باتوا يعرفون شيئاً ما جديداً عن النسبية، ليس بالضرورة مبسطاً، بل، وبالعكس، فإن الدحيح لا يتورّع عن التهور في شرح أكثر الأفكار تعقيداً بينما يلتهم خيارته الشهيرة وينساق في "إيفيه" آخر يذهب به إلى النهاية قبل أن يتسلل عائداً إلى حديثه الجدي ويقلع من جديد.
هاتان، السلاسة والعفوية، يبدوان نتاج جهد جماعي لفريق من الموهوبين كل في مجاله، من الكتابة إلى الإخراج ومن بينهما. هذه المجموعة المتجانسة من الناس يبدو أنها مصابة بهوس التفاصيل الدقيقة لكل ما يتعلق بالشخصية غريبة الأطوار هذه التي لا نعرف عنها إلا أنها تقف في في مواجهة الجدار الرابع للغرفة وتروح تحكي وتحكي من دون أن يطلب منها أحد ذلك، أو يطرح سؤالاً واحداً عليها، بل أن الدحيح يتولى تقويل مشاهده ما لم يقله وقد يتهكم عليه ممازحاً قبل أن يجيبه. الدحيح، المتواضع والمتشاوف بمعلوماته في آن، المحاضر الأكاديمي وزميلك الذي تجلس معه في المقهى، هو خلطة من المستحيل عدم الوقوع في الإدمان عليها.
أدمنت إذن على الدحيح، مباشرة بعد حلقة "الحشاشين" للمفارقة. في المرحلة الأولى من هذا الإدمان، رحت أشاهد الحلقات واحدة بعد الأخرى حتى أنام وأسمع صوته يناديني "يا عزيزي" في الأحلام متابعاً شرح ما لا يعلم به إلا الله وهو. لاحقاً بت أقنن المشاهدة حتى لا يفرغ بسرعة هذا الكنز المجاني على يوتيوب. وفي كل مرة أشاهد حلقة جديدة، أعلم تماماً ما الذي ينتظرني: ثمة زوايا أخرى لموضوع كنت أظن أني أعرفه، أو معرفة لا بأس بها بموضوع جديد لا أدري كيف ومتى أستفيد منها، لكن تبقى أفضل من عدم العلم كلياً بالشيء. وفي كل حلقة أعلم أن شرح هذا الكائن اللطيف سيكون مسلياً وسأضحك بصوت عالٍ غالباً للإفيهات المفاجئة، وهي علامة تجارية مسجلة للمصريين يكاد فخرهم بها يعادل فخرهم بأهراماتهم والفراعنة.
وأحمد الغندور يؤكد في آخر كل حلقة على مشاهده أن "يبص" على المراجع والمصادر، مشيراً إلى أسفل الشاشة. والدحيح بنى بينه وبين مشاهديه ثقة عمرها الآن نحو عشر سنوات، وبات وفريق عمله مصدراً ومرجعاً لملايين من متابعيه. هذه الصناعة الممتازة للمحتوى نادرة عربياً لكنها بمثابة رد على العشرات من نجوم المقلب الآخر الذين يروجون لخزعبلات بحتة في كل الميادين من الدين إلى التاريخ إلى حقيقة أن الأرض مسطحة. هو الإصرار على الجودة واحترام المتابعين جعل الدحيح يتفوق على البرامج العربية الرقمية المشابهة كافة، حتى بات موسوعة مرئية. مع بث مسلسل الحشاشين في رمضان الفائت، ارتفعت مشاهدات حلقة الدحيح عن الموضوع نفسه ملايين المرات.. الناس لجأت إلى الدحيح لتعرف حقيقة الفرقة المخيفة. أيضاً، فالحلقة الأكثر مشاهدة من "الدحيح" حتى الآن، والأطول وقتاً، روت "حكاية أرض". كانت عن فلسطين، القصة التي كنا نظن أنه لم يعد فيها أي جديد يروى عنها يهم الأجيال الجديدة، إلى أن وقف الدحيح في غرفته وراح يحكي، من دون أي دراما، مجموعة من الوقائع التي يمكن أن نجد مصادرها، كما العادة، أسفل الشاشة، بينما تحولت الحلقة نفسها إلى مصدر للحكاية العتيقة.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top