2024- 06 - 26   |   بحث في الموقع  
logo جريحة بالرصاص في هذه المنطقة logo كفركلا: قرية العروس وبوابة فاطمة.. والمعبر "الرسمي" إلى فلسطين logo كهرباء مصر...التيار في عكس الاتجاه logo نقل جثة سوري قضى على طريق التهريب في الصويرة logo الحلبي ممثلا ميقاتي في اختتام مشروع “استدامة البحر والبرّ من اجل التنمية البيئية”: لتطوير مشاريع جديدة تحاكي التحديات logo بارولين في عين التينة logo حرائق في المنازل.. هذا ما فعله القصف الاسرائيلي لشبعا logo نقل اسلحة ثقيلة الى الجنوب.. هل ستتطور المعركة؟
إسخر من نبي ولا تسخر من مجرم
2024-06-17 08:55:23


وأخيرًا، قررت الإذاعة الفرنسية العمومية "فرانس أنتر" فصل الصحافي الهزلي غيوم موريس من عمله بعد أن أوقفته عن العمل منذ أشهر رهن التحقيق، بتهمة الازدراء برئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو حينما شبهه بـ "نازي غير مطهّر". وقد جرى ذلك في معرض حديثه عن أزياء مقترحة للتنكر بمناسبة عيد هالويين او عيد الرعب، بالإشارة الى مسؤولية نتنياهو عن إبادة عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين وتدمير مدنهم وقراهم في حربه الوحشية على قطّاع غزة. وقد اعتبرت مديرة الإذاعة العامة، أديل فان ريت، بأن ما ارتكبه موريس هو انتهاك لقواعد العمل المهني واستهزاء بالمؤسسة، خصوصًا حينما كرر العبارة إثر صدور قرار قضائي بعدم المتابعة. هذه المديرة الشابة والصحافية المغمورة، هي رفيقة درب رافائيل انتهوفن، أحد أشهر "الفلاسفة" الإعلاميين المعادين لليسار وللإسلام ولقضية الشعب الفلسطيني إن اختصرنا فلسفته بعجالة، وهو من مروجي تعبير "الإسلامويين اليساريين" ومن الضيوف الجدد للعشاء السنوي "المقدس" لممثلي التيار اليميني الإسرائيلي في فرنسا، والذين يسمونهم بتجمع المنظمات اليهودية.
هذا القرار "الديمقراطي" صدر عن مديرة لإذاعة هي الأولى في تحقيق نسب الاستماع والتي طالما اتهمها اليمينيون المتطرفون بأنها منبر لليسار الفرنسي لمجرد اعتمادها المهنية والخطاب المتوازن وافساح المجال لليمين ولليسار بالتعبير على موجاتها، وذلك طبعًا قبل تولي الصحافية الشابة إدارتها. وتبدو هذه الخطوة متناسقة تمامًا مع التوجه المكارثي لمحاسبة ومعاقبة كل من تخوّل له نفسه الأمّارة بالسوء أن ينتقد أو يتهكم على سياسة الحليف الإسرائيلي لأصحاب الحل والعقد والتمويل. والتهمة التي صارت هي الأسهل تتلخّص بعبارتين هما "معاداة السامية". والربط التلقائي بين معاداة السامية وانتقاد جرائم الحكومة الإسرائيلية صار باعثًا على التهكم حتى لدى عتاة الموالين للحركة الصهيونية. ولقد ذكر أحد الصحافيين الفرنسيين المرموقين لي مرة بأنه سيعمد لنشر نقده لممارسات جيش الاحتلال الوحشية في بعض الصحف الإسرائيلية لأنه يعاني من رفض وسائل الاعلام الفرنسية السماح بنشرها. وعند التدقيق، يمكن للمتابع أن يجد في الصحافة الإسرائيلية اليسارية، كجريدة هآرتس مثلاً، نصوصًا لن تجد لها منبرًا فرنسيًا. وإذا نقلها المهتم دون الإشارة للمصدر، فسيكون عرضة للملاحقة القضائية بتهمة معاداة السامية أو الترويج للإرهاب.
في هذا الإطار، وفي تمرينٍ ساخر، قمت بعرض نصٍ للصحافي والكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي على مجموعة من الأصدقاء الفرنسيين المهتمين بالشأن العام، مغفلاً اسم الكاتب وناسبًا النص لي. ولقد طلبت رأيهم في إمكانية نشره في الصحافة الفرنسية. ومن محبتهم وتقديرهم لي ألحوا على أن أمتنع عن ذلك خوفًا من العقاب الشديد الذي يمكن أن أتعرض له والتهم المعلبة الجاهزة لمجابهتي. وعندما عرفوا الحقيقة، شعروا بالخجل وبالقهر الذي يشعر به جمعٌ كبيرٌ من الإعلاميين المهنيين في أيامنا هذه في الغرب عمومًا وفي فرنسا خصوصًا.
وبالعودة الى الضحية الجديدة للتطهير الإسرائيلي لوسائل الاعلام الفرنسية، فقد عبّر العدد الأكبر من الصحافيين عن احتجاجهم على طرد زميلهم والذي تم إقرار عقوبته تحت مسمى "انعدام الولاء للإذاعة" (...). وتضامن معه زملاؤه في البرنامج الساخر السياسي الأسبوعي الذي أورد فيه هذه الطرفة، حيث استقال معظمهم. وبالمقابل، فقد برزت المهرّجة التي لا تُضحك باكيًا، وهي المغربية صوفيا آرام، بدور المبرر لهذا الطرد والشامت بضحيته مُعبّرة عن قرفها من أسلوبه لمجرد سخريته من متهم بارتكاب جرائم حرب من قبل اعلى السلطات القضائية الدولية. ولقد أثبتت هذه المهرّجة بأنها الدليل الأوضح لظاهرة كارهي الذات والباحثين عن المزاودة على "الرجل الأبيض" مهما كانت الأثمان رخيصة أخلاقيًا. وقد اعتبر أحد المؤيدين الرسميين لقرار الطرد بأن "القول عن يهودي، مهما كان شنيع التصرفات، بأنه يشبه النازي، لهو خطيئة لا تُغتفر.
يجدر بالذكر بأن القضاء، واستجابة لادعاء منظمات يهودية يمينية فرنسية، قد قام بالتحقيق مع الصحافي الساخر بتهمتي "التحريض على الكراهية والشتيمة العامة". وقد افضت هذه التحقيقات الى تبرئته والقول بأن ليس في ما رد على لسانه أي منهما. ومع ذلك، فقد وجدت الإدارة جرعة من الوقاحة التي تنتهك الحكم القضائي وتعاقب المتهم البريء.
عقب انتهائي من محاضرة تدريسية لي أمام مجموعة متميّزة من الطلبة، انبرى لي أحدهم سائلاً: أنت دافعت عن حرية التعبير وبيّنت لنا دعائمها وأوضحت لنا بأنها تبقى الأسمى مقابل التقييد على التعبير مهما كان جريئا أو حتى وقحًا. فكيف إذًا، يُعتَبرُ الصحافي الساخر غيوم موريس مخطئًا لأنه تهكم على رئيس وزراء إسرائيل المتهم بارتكاب فظائع، ولا ينبري إلا القلة من الرسميين للدفاع عنه واعتبار ان ما قاله هو جزء من حرية التعبير، على أنه قد "صدم" بعضًا من المتعصبين من أصحاب الديانة اليهودية بتشبيه فرد منهم لشخص نازي. بالمقابل، دافع رئيس الجمهورية وكل الرسميين عن رسام كاريكاتور تهكم بشكل صارخ من نبي الملايين من المسلمين، معتبرًا بأن حرية التعبير مقدسة؟
أُسقِطَ من يدي، فكيف لي أن أجيب هذا الطالب بأنني مع حرية التعبير بالمطلق بما فيها تلك التي استخدمها الرسام الساخر، مهما أقرفتني وأشعرتني بالسخافة، ومقابل ذلك، هناك عملية طرد ساخرٍ آخر شبّه مجرمًا بمجرمٍ آخر؟ كيف لي أن أتوجه الى الشباب المسلم الفرنسي لإقناعهم بأن حرية التعبير تشمل كل شيء حتى المقدسات، مقابل التقديس الرخيص الذي تطبّقه الدوائر الرسمية لمن هو متهم بجرائم ضد الإنسانية؟ هل يمكن لي أن اقبل استنتاجه الذي ختم به سؤاله قائلاً بأن مشاعر ملايين المسلمين لا تعادل في قيمتها الرمزية مشاعر مجرم حرب؟ هل هذه هي الديمقراطية الفرنسية؟ هل هذه هي بلاد حقوق الإنسان؟




المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top