2024- 06 - 26   |   بحث في الموقع  
logo التناقضات الأميركية- الإسرائيلية: حرب على لبنان أم إسقاط نتنياهو؟ logo إطلاق نار كثيف على أوتوستراد البالما.. ما السبب؟ logo رسالة من بوحبيب إلى غوتيريش.. ماذا تتضمن؟ logo بطولة أوروبا: تعادل فرنسا وبولندا.. وفوز النمسا على هولندا logo بشأن ارتفاع أسعار الاستشفاء.. سلام يعقد اجتماعا طارئا غدا logo بوحبيب عرض وبيربوك للأوضاع.. وتشديد لبناني على الحلول السلمية logo شيخ العقل لبى دعوة الراعي للقاء بارولين في بكركي واتصل بالخطيب logo حصاد ″″: أهم وأبرز الاحداث ليوم الثلاثاء
انتصارات المافيا في عزّ الحرب الراهنة: تصفية الملفّات المعلّقة
2024-06-16 15:55:25


لم يُسجّل -حتّى تاريخه- أي دور فعّال للدولة اللبنانيّة في التعامل مع الأحداث الدائرة في الجنوب، لا على المستوى السياسي والدبلوماسي الجدّي، ولا على المستويات الاقتصاديّة والإغاثيّة والأمنيّة. ثمّة قرار سياسي واضح قضى بتحييد الدولة وإبعادها عن هذا الملف، منذ أولى أيّام الحرب. بل وثمّة فروقات واضحة في مستوى مواكبة الدولة للأحداث الجارية في الجنوب، قياسًا بجميع الحروب السابقة التي حصلت منذ التسعينات، بما يشمل حتّى وتيرة عمليّات إحصاء الأضرار أو مسحها. السلطة المغيبة، باتت جزءًا من معادلة جرى تثبيتها: الدولة وليمة المافيا في بيروت، وهذه وظيفتها الأولى والأخيرة. وكل ما يتجاوز ذلك، بما في ذلك الحرب وقرارها وآثارها، أصبح خارج هذه المعادلة.
غير أنّ الانشغال الإعلامي بما يجري جنوبًا، أو بالأحرى بما يمكن أن يجري إذا توسّعت الحرب، لم يحرم المافيا في بيروت من فرصة تصفية الحسابات القديمة. وعلى العكس تمامًا، كان هذا القلق العام البيئة المناسبة لتتخلّص المافيا اللبنانيّة من ملفّاتها العالقة، وخصوصًا تلك المفتوحة أمام القضاء اللبناني. ويمكن القول أنّ تصفية هذه الملفّات، بعد سنوات من الأخذ والرد بخصوصها، كان انتصارًا سجّلته هذه الطغمة التي تتقن اقتناص الفرص، ولو كانت "الفرصة" من صنف الخراب الذي يضرب القرى الجنوبيّة.
في النهاية، هذه الصيغة هي أساس المعادلة: أن تنشغل المافيا في وليمتها في بيروت، وتتفادى النظر إلى ما هو أبعد من ذلك.أوبتيموم والـ8 مليارات دولارعند إقصاء القاضية غادة عون، وإبعادها عن النظر في الملفّات التي تحقّق فيها، تم ربط القرار بشبكة من المحامين المتعاونين مع عون، الذين حرّكوا ملفّات المودعين أمام النيابة العامّة الاسئنافيّة في جبل لبنان. تبرير قرار إقصاء عون، جاء من زاوية "ابتزازها" للمصارف، لتحصيل حقوق مجموعة من المودعين، على حساب سائر أصحاب الودائع. لكنّ هذا التبرير جاء بعيدًا عن الواقع، إذ أن عون ليست من قضاة الأساس الذين يبتّون بهذا النوع من القضايا، بل تقتصر صلاحيّاتها على تقديم الادعاء بعد التحقيق في الملف. ومن المعلوم أن محاكم الاستئناف عملت طوال المرحلة الماضية على فسخ الأحكام التي تصب لمصلحة المودعين، حتّى لو حكم قضاة محاكم الأساس لمصلحة المودعين.
إقصاء عون، بمعزل عن مخالفتها أو أسلوبها أو تحيّزاتها السياسيّة، كان تصفية للتحقيقات التي أجرتها في العديد من الملفّات الحسّاسة. أولى هذه الملفّات، سيكون ملف شركة أوبتيموم، الذي اقتصر التحقيق فيه على النيابة العامّة الاستئنافيّة في جبل لبنان. في هذا الملف، هناك 8 مليارات دولار من العمولات المشبوهة وغير المبرّرة، التي حصّلتها الشركة في حساباتها لدى مصرف لبنان، على حساب أموال المصرف العموميّة، من دون أن تقدّم الشركة أي خدمة ماليّة تُذكر. هذه الهبة الغامضة، التي منحها الحاكم السابق للشركة، حطّت في حسابات وسيطة، قبل أن يتم تحويلها لأطراف مجهولة الهويّة، بين عامي 2015 و2018.
آخر التحقيقات التي أجرتها عون في هذا الملف، كشفت وجود 45 عقدًا موقّعًا بين الشركة وحاكم المصرف المركزي، لتحصيل هذه العمولات، بما يستند إلى قرارات موثّقة في محاضر اجتماعات المجلس المركزي للمصرف. وفي المجلس المركزي الذي وجد حينها، ثمّة ما ينفي الموافقة على الكثير من القرارات المُشار إليها في العقود والمحاضر. أي بصورة أوضح، باتت المسألة أبعد من مجرّد شبهات الاختلاس والكسب غير المشروع، طالما أنّ هناك من يشير إلى شبهة التزوير في محاضر المجلس المركزي.
رياض سلامة متوارٍ عن الأنظار. والحاكم بالإنابة يكتفي بإبداء الاستعداد للتعاون مع القضاء، من دون فتح أي تحقيق أعمق في المسألة، ومن دون اتخاذ صفة الادعاء بالنيابة عن مصرف لبنان، صاحب الأموال المشتبه باختلاسها. وإقصاء غادة عون، آخر من تابع القضيّة، يعني تصفية التحقيقات في هذا الملف. القرار السياسي الواضح منذ البداية كان طمس مسألة هذه العمولات، وهذا ما جرى.15 مصرفًا وقروض الـ8 مليار دولارفي عزّ الأزمة المصرفيّة اللبنانيّة، وما صاحبها من احتجاز لأموال المودعين، قرّر مصرف لبنان بين 30 أيلول 2019 و25 كانون الثاني 2020 منح 15 مصرفًا قروض بقيمة 8 مليار دولار. وفي أرقام المصارف ومصرف لبنان، ثمّة ما يكفي للاشتباه –بل وللتأكّد- بأن المصارف استخدمت الجزء الأكبر من هذه الأموال لتهريب أموال بعض النافذين.
حين فتحت القاضية غادة عون هذا الملف على مصراعيه، تعاونت ثلاثة مصارف معها فقط العام الماضي، عبر رفع السريّة المصرفيّة وكشف مصير الأموال الناتجة عن هذه القروض. يومها، كان من الواضح أنّ المصارف فرزت نفسها بنفسها: من استخدم الأموال في عمليّات داخليّة فقط، أي ضمن القطاع المصرفي المحلّي، أمّن المعلومات المطلوبة. ومن امتلك شيئًا ليخفيه، حجب المعلومات بذريعة السريّة المصرفيّة، رغم أنّ التحقيقات كانت تتناول حركة حسابات المصارف لدى المصرف المركزي فقط، ولم تطاول حسابات المودعين الشخصيّة (باستثناء أعضاء مجلس الإدارة).
سيُدفن هذا الملف، الذي لاحقته غادة عون قبل قرار الإقصاء الأخير. ومنذ العام الماضي، لم يُظهر المصرف المركزي نيّة متابعة التحقيق في هذه القروض، رغم امتلاك هيئة التحقيق الخاصّة صلاحيّة رفع السريّة المصرفيّة عن الحسابات، وبالرغم من امتلاك لجنة الرقابة على المصارف سلطة التحقيق وإحالة النتائج للهيئة المصرفيّة العليا.
وأكثر ما يثير الاستغراب، هو طمس هذا الملف في مصرف لبنان، حتّى بعد أن بيّنت مراسلات لجنة الرقابة على المصارف وجود 2.28 مليار دولار من الأموال التي جرى تهريبها من المصارف اللبنانيّة إلى سويسرا، بين 17 تشرين الأوّل 2019 و14 كانون الثاني 2020. مع الإشارة إلى أنّ هذا الرقم يستثني طبعًا الأموال التي جرى تهريبها إلى وجهات أخرى، غير المصارف السويسريّة، كما يستثني التحويلات التي جرت بعد 14 كانون الثاني 2020.دفن ملف شركة فوريكان ملف شركة فوري، طوال السنوات الماضية، فضيحة الفضائح في مصرف لبنان. في هذا الملف، أكثر من 320 مليون دولار من العمولات التي منحها الحاكم السابق رياض سلامة، من أموال المصرف العموميّة، لشركة وهميّة مسجّلة بإسم شقيقه، من دون أن تقدّم الشركة الصوريّة أي خدمات فعليّة. باختصار، مثّلت الفضيحة أوقح عمليّة اختلاس مباشرة لأموال عموميّة، وكانت نقطة البداية الأولى في تحقيقات ومذكرات توقيف المحاكم الأوروبيّة الموجهة ضد سلامة، في قضايا التزوير والكسب غير المشروع وغيرها.
خلال الأيام الماضية، تم توجيه ضربة قضائيّة لهذا الملف، الذي يُعنى بأموال عموميّة لبنانيّة، بعدما قرّرت الهيئة الاتهاميّة في بيروت برئاسة القاضي حبيب مزهر عرض التنحّي عن النظر في هذه القضيّة. والسبب المثير للاستغراب، هو الضغوط "المعنويّة والنفسيّة" التي تتعرّض لها الهيئة الاتهاميّة من جانب هيئة القضايا، التي تمثّل مصالح الدولة اللبنانيّة، من خلال "مراجعات لجوجة ومتكرّرة". على هذا النحو، استكملت الهيئة الاتهاميّة مسار التعطيل والمماطلة وتقاذف المسؤوليّات، الذي عطّل تقدّم التحقيقات والإجراءات القضائيّة منذ أعوام.
في خلاصة الأمر، نحن أمام حاكم سابق للمصرف، مطلوب بمذكرات توقيف لمصلحة دول أجنبيّة، في ملف يُعنى بأموال عموميّة لبنانيّة مختلسة، في حين أنّ القضاء اللبنانيّ لم يصل بعد إلى مرحلة توقيف المتّهم. سلامة نفسه احترف تقديم طلبات رد القضاة، ومعظم القضاة الذين تناوبوا على الملف حرصوا على الهروب من اتخاذ القرارات. بل وحرصت الحكومة اللبنانيّة، وبعض وزرائها، على تأخير وتعطيل إجراءات تعيين محامين يمثّلون الدولة اللبنانيّة في الخارج، للمطالبة بالأموال المشتبه باختلاسها والمحجوزة في أوروبا.
المافيا تعمل بنشاط إذًا، وهي تسجّل النقاط لمصلحتها في عزّ الحرب القائمة. ونظرة سريعة على جداول أعمال الحكومة أو المجلس النيابي، تُظهر أن الطبقة السياسيّة تعيش في عالم موازٍ، بعيدًا عن وقائع الجنوب الذي يحترق. في ذلك العالم، نوّاب يُفاوضون على صفقة العصر، التي ستوزّع مغانم أصول الدولة بعد جمعها في "صندوق استرداد الودائع". وهناك وزراء يكملون مناوراتهم، للإطاحة بأي حل منطقي للأزمة المصرفيّة، لمجرّد أن جميع الحلول تمس بمصالح النخب الماليّة. هذه وظيفة الدولة في المعادلة السياسيّة القائمة اليوم.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top