2024- 06 - 23   |   بحث في الموقع  
logo غَزَّة المُحاصرَة صَمَدَت تسعة أشهُر ولا زال القتال دائر لم ينتهي بعد، كم سنة تحتاج أميركا لهزيمة حزب الله ولن تستطيع؟ (إسماعيل نجار) logo حزب الله واسرائيل يتحضران لتوسيع الصراع:تسريبات وتحشيد واسلحة جديدة logo داخل أرضٍ لوزارة الدفاع.. أمرٌ غير متوقع فعله مواطنون! logo في طرابلس.. جريح إثر إطلاق نار! logo رداً على قصف 3 بلدات لبنانية.. ماذا فعل “الحزب” مساء اليوم؟ logo غزة:3آلاف مجزرة اسرائيلية منذ بدء الحرب خلفت123ألف شهيد وجريح logo التظاهرة الأضخم في تل أبيب:لا صفقة أسرى بوجود نتنياهو logo في الجزائر... شاب مدمن يقتل والدته خنقا وهي نائمة
لا تخدعوا الرأي العام: أرقام ميزان المدفوعات وهميّة ومخاتلة
2024-06-14 13:55:45


منذ العام الماضي وحتّى الربع الأوّل من هذا العام، تناولت "المدن" في أكثر من مقال الإشكاليّات المنهجيّة التي تحيط بطريقة احتساب أرقام ميزان المدفوعات اللبناني، والتي باتت تعكس منذ شباط 2023 فوائض ضخمة غير منطقيّة وغير مفهومة. المسألة كانت واضحة جدًا: جزء كبير من هذه الفوائض بات يعكس معاملات دفتريّة ومحاسبيّة لا تمثّل أي تداولات ماليّة، في حين أنّ النسبة الأكبر من التداولات الحقيقيّة في السوق مستثناة من أرقام هذا المؤشّر. النتيجة المباشرة، هي أنّ أرقام ميزان المدفوعات لم تعد تتماهى مع التعريف العلمي لهذا المؤشّر، والذي يُفترض أن يقدّم صافي التداولات الماليّة بين لبنان والخارج. ما قيمة هذا الرقم الآن إذًا؟
ثمّة حاجة للعودة إلى هذا النقاش الآن. فمنذ مطلع الأسبوع الجاري، توالت التقارير الإعلاميّة والاقتصاديّة التي تحتفي بالأرقام التي أعلن عنها مصرف لبنان مؤخرًا، والتي أظهرت تسجيل ميزان المدفوعات فائض بقيمة 585.1 مليون دولار هذه السنة، لغاية أواخر نيسان الماضي. وثمّة مؤسسات إحصائيّة وبحثيّة استندت إلى هذا الرقم، من دون السؤال عن منهجيّة احتسابه، ولا عن التغيّرات التي يعكسها، لتتوقّع تسجيل فائض بقيمة ملياري دولار بحلول نهاية العام الحالي. وكما هو الحال دائمًا، كان هناك من يستثمر هذا الخبر المُضلّل للعودة إلى المنطق نفسه: ألم نقل لكم أنّ التعافي ممكن من دون سلّة الإصلاحات الشاملة والمعلّقة؟ بإمكان "الوصفة اللبنانيّة" أن تحقق المطلوب!تشريح الرقم الحديث المُعلنتشريح الرقم الحديث المُعلن، لفهم إشكاليّته، يستلزم أولًا إيضاح المنهجيّة التي يعتمدها مصرف لبنان لاحتساب فائض أو عجز ميزان المدفوعات.
باختصار، تقوم المنهجيّة على جمع رقمين، هما حجم التغيّر في صافي موجودات المصارف الخارجيّة، وحجم التغيّر في صافي موجودات مصرف لبنان الخارجيّة. وصافي الموجودات الخارجيّة في الحالتين، هو الفارق بين الالتزامات والموجودات المتبقية في علاقة النظام المالي مع الخارج. على هذا النحو، يفترض مصرف لبنان أنّ قيمة صافي موجودات المصارف ومصرف لبنان الخارجيّة، وما تعكسه هذه القيمة من تغيّرات، تقدّم بالفعل صورة عن حركة التدفّقات النقديّة في البلاد، هو افتراض بعيد جدًا عن الواقع الراهن (كما سنشرح لاحقًا).
حجم الفائض المصّرح عنه لهذه السنة، لغاية شهر نيسان، قارب 585.1 مليون دولار. وهو جاء نتيجة عاملين: تسجيل صافي موجودات مصرف لبنان الخارجيّة زيادة بقيمة 371 مليون دولار، وتسجيل صافي موجودات المصارف الخارجيّة زيادة موازية بقيمة 214 مليون دولار. مجموع الرقمين معًا، يقدّم لنا فائض ميزان المدفوعات المُعلن، الذي يُفترض أن يعكس صافي التداولات الماليّة بين لبنان والخارج.
كانت الزيادة في صافي موجودات مصرف لبنان الخارجيّة مفهومة، بحكم تزايد قيمة الاحتياطات الموجودة والمُصرّح عنها في المصرف المركزي. إلا أنّ هناك ما هو ملتبس وغير دقيق في أرقام صافي موجودات المصارف الخارجيّة. إذ أنّ الجزء الأكبر من هذا الفائض تحقّق بسبب انخفاض قيمة الالتزامات المتوجّبة على المصارف لمصلحة غير المقمين، بعدما تم رفع سعر الصرف المُعتمد لإعداد الميزانيّة من 15 ألف ليرة لبنانيّة إلى 89.5 ألف ليرة لبنانيّة مقابل الدولار، في شهر شباط الماضي.
هكذا، وبمجرّد القيام بهذه الخطوة، تدنّت قيمة ودائع غير المقيمين بالليرة اللبنانيّة، عند احتسابها بالدولار، وهو ما خفّض إلتزامات المصارف الخارجيّة من دون تسجيل أي حركة ماليّة حقيقيّة. هذا تحديدًا ما أظهر زيادة في صافي الموجودات الخارجيّة، الذي يلخّص الفارق بين الموجودات والإلتزامات.
إذا ما قمنا بإزالة أثر هذه العمليّات الدفتريّة، سينخفض فائض ميزان المدفوعات المُسجّل لغاية شهر نيسان بقيمة 185.1 مليون دولار، وهو بالضبط حجم الفائض المُحقّق جرّاء تغيير سعر الصرف المُعتمد لإعداد الميزانيّات. بعبارة أخرى، فائض ميزان المدفوعات المُعلن عنه، وفق المنهجيّة المعتمدة، يجب أن يُخفّض بهذه القيمة، كي لا يعكس أثر التغييرات المحاسبيّة التي لا ترتبط فعلًا بالمفهوم العلمي لميزان المدفوعات.إشكاليّة المنهجيّة نفسهاحتّى بعد إزالة التغيّرات الناتجة عن تعديل سعر الصرف، ستظل نتيجة ميزان المدفوعات –وفق منجهيّة مصرف لبنان- تسجّلُ فائضًا بقيمة 400 مليون دولار. فهل يعبّر هذا الرقم عن حقيقة صافي التبادلات الماليّة بين لبنان والخارج؟ مرّة جديدة: حتمًا لا!
المشكلة الأساسيّة في منهجيّة مصرف لبنان الحاليّة، هي افتراضه أن التغيّرات في صافي موجودات المصارف ومصرف لبنان الخارجيّة تعبّر بالفعل عن التبادلات أو التداولات الماليّة العابرة للحدود، وهذا افتراض غير دقيق في هذه المرحلة بالتحديد. فجميع عمليّات الاستيراد يتم تمويلها حاليًا من الدولارات المتداولة في الاقتصاد النقدي، بينما يتم سحب جميع التحويلات الواردة إلى عالم "الكاش" أيضًا. أمّا الحسابات "الفريش" لدى المصارف، فلا يتجاوز دورها حدود الحسابات الوسيطة، التي تُسحب أو تُحوّل منها الأموال بمجرّد ورودها أو إيداعها.
ومنهجيّة مصرف لبنان، تتغاضى كذلك عن الدور الأساسي الذي تقوم به شركات تحويل الأموال، أو عمليّات نقل الأموال النقديّة عبر الحدود، والتي باتت تمثّل جزءًا كبيرًا من التداولات الماليّة بين السوق المحلّي والخارج. أمّا التأثير الأكبر على أرقام صافي الموجودات الخارجيّة لمصرف لبنان، التي تعوّم أرقام ميزان المدفوعات حاليًا، فليست سوى الزيادات في احتياطات المصرف المركزي، التي تنتج عن شراء الدولارات من داخل سوق القطع المحلّي، من دون أن تعكس أي تدفّقات ماليّة من الخارج.
لكل هذه الأسباب، لا تتناسب منهجيّة مصرف لبنان اليوم مع واقع الاقتصاد النقدي الموجود. وببساطة شديدة، ما يُسمّى اليوم ميزانًا للمدفوعات، لم يعد يعبّر عن هذا المفهوم بأي شكل من الأشكال! بل ثمّة تضليل متعمّد للرأي العام، عند الإشارة إلى هذه الأرقام كمؤشّر لميزان المدفوعات.خطوات مطلوبة لتحقيق الشفافيّةعلى هذا الأساس، ثمّة خطوات عدّة يفترض أن يقوم بها المصرف المركزي لزيادة الشفافيّة في الأرقام التي يعلنها، أمام الرأي العام والمؤسسات الماليّة المحليّة والدوليّة. وهذه الخطوات يجب أن تبدأ بـ:
- تصحيح الأرقام المعلنة الآن، والتي يتم الإشارة إليها بوصفها ميزانًا للمدفوعات، عبر إزالة أثر التغيّرات في سعر الصرف المعتمد لإعداد الميزانيّات المصرفيّة. وحتّى بعد تصحيح الأرقام على هذا النحو، لا يفترض الإشارة إليها بوصفها "مؤشّرًا لميزان المدفوعات"، بل يكفي أن يتم الإفصاح عنها كمؤشّر للتغيّرات في صافي الموجودات الخارجيّة للقطاع المصرفي (أي مصرف لبنان والمصارف معًا). معرفة هذا الرقم مسألة مفيدة جدًا للاقتصاديين، وهي تعبّر عن حقائق مهمّة ومُلفتة، لكنّ هذه الحقائق ليست "ميزانًا للمدفوعات". يجب أن لا نضلّل الرأي العام.
- على مصرف لبنان إيجاد منهجيّات أكثر دقّة لاحتساب ميزان المدفوعات، بما يأخذ بالاعتبار التدفقات الماليّة التي تجري خارج النظام المالي الرسمي، وتلك التي لا تؤثّر على صافي الموجودات الخارجيّة في القطاع المصرفي. وثمّة ما يكفي من تجارب يمكن الاستفادة منها، في الدول التي مرّت بتخبّطات مصرفيّة أو نقديّة مماثلة.
- هناك حاجة للعودة إلى تحديث جميع المؤشّرات التي اعتاد مصرف لبنان على نشرها شهريًا أو فصليًا، والتي امتنع المصرف منذ شهر شباط عن تحديثها على موقعه الرسمي منذ شباط الماضي. وهذه الخطوة كفيلة بتعزيز الثقة بسائر الأرقام التي ينشرها مصرف لبنان، بدل الاعتماد على "المصادر" و"الخبراء المقرّبين" لتمرير الرسائل أو التطمينات النقديّة والماليّة. إذ أنّ هذا النوع من الممارسات غالبًا ما يُفقد الجمهور الثقة بمصداقيّة المصرف وقيادته، كما يُذكّر بحقبات سابقة لا تبشّر المتابعين بالخير.
كل ما سبق ذكره، لا يبتعد كثيرًا عن ملاحظات العديد من المؤسّسات الدوليّة، التي أشارت إلى وجوب رفع معايير الشفافيّة والإفصاح المالي، في الأرقام التي يعلنها مصرف لبنان. وآخر هذه الملاحظات، تم إعلانها من جانب بعثة صندوق النقد نفسها، في آخر جولتها في بيروت، رغم أن البعثة حرصت –في البيان الختامي- على الإشادة ببعض سياسات المصرف المركزي النقديّة. أمّا أهم ما في الموضوع، فهو أنّ شفافيّة الأرقام ومصداقيّتها شرط أساسي لوضع أي خطّة ماليّة أو نقديّة في المستقبل، حيث لا يمكن وضع أي معالجة ذات صلة بالمشاكل الراهنة، من دون توفّر المعلومات الدقيقة التي تشخّص هذه المشاكل.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top