2024- 06 - 23   |   بحث في الموقع  
logo غَزَّة المُحاصرَة صَمَدَت تسعة أشهُر ولا زال القتال دائر لم ينتهي بعد، كم سنة تحتاج أميركا لهزيمة حزب الله ولن تستطيع؟ (إسماعيل نجار) logo حزب الله واسرائيل يتحضران لتوسيع الصراع:تسريبات وتحشيد واسلحة جديدة logo داخل أرضٍ لوزارة الدفاع.. أمرٌ غير متوقع فعله مواطنون! logo في طرابلس.. جريح إثر إطلاق نار! logo رداً على قصف 3 بلدات لبنانية.. ماذا فعل “الحزب” مساء اليوم؟ logo غزة:3آلاف مجزرة اسرائيلية منذ بدء الحرب خلفت123ألف شهيد وجريح logo التظاهرة الأضخم في تل أبيب:لا صفقة أسرى بوجود نتنياهو logo في الجزائر... شاب مدمن يقتل والدته خنقا وهي نائمة
"لغة عالمية" لماثيو رانكين.. ميلانكوليا الحبّ والهوية
2024-06-14 13:55:45

الفيلم أداة لسرد القصص، وعلى هذا يقرر صانعو الأفلام وكتّاب السيناريو ما إذا كانت قصصهم ستتحدث عن تجربتهم الشخصية، أو هواجسهم، أو شكوكهم في عالم تتزايد فيه الفوضى ولا يمكن التنبؤ به. يفهم المخرج الكندي ماثيو رانكين هذا الأمر تماماً وخير دليل ما يفعله في فيلمه الأخير "لغة عالمية"، وهو عبارة عن "بازل" من شخصيات ومواقف تسعى للإجابة على أسئلة حول الحبّ والهوية وأشياء أخرى مربكة.

عادةً يتوقع المرء أن يقوم رانكين بإنتاج أفلام تاريخية منتظمة. على الأقل بفضل حصوله على شهادة جامعية في التاريخ. إلا أن الكندي أثبت أنه لا يملك اهتماماً كبيراً بهذا الأمر من خلال فيلمه الأول الرائع "القرن العشرين" 2019. حيث روى قصة حياة خيالية إلى حد كبير وسخيفة تماماً لرئيس الوزراء السابق ويليام ليون ماكنزي كينغ. وبناءً عليه، كان لدينا فضول لمعرفة ما سيفعله المخرج بعد ذلك. الآن وصل الجواب، ورانكين يرقى إلى مستوى سمعته المتمثلة في عدم القيام بأي شيء بالطريقة التي تتوقّعها.
في الواقع، يعتبر فيلمه الطويل الثاني أكثر غرابة من فيلمه الأول الحائز جوائز. ويستغرق الأمر أيضاً بعض الوقت للتعوّد عليه. لا توجد شخصية رئيسية هنا، ولكن تُسرد العديد من القصص بالتوازي. وبقدر ما كان فيلم "القرن العشرين" غريباً بلا شك في سرده للتاريخ البديل، إلا أن الفيلم سعى مع ذلك إلى تحقيق هدف يمكن التعرّف عليه بوضوح نسبياً. في "لغة عالمية"، لا نعرف إلى أين ستتجه الرحلة. في الواقع، لا يستطيع المتفرّج حتى التأكّد من مكان وجوده. تدور أحداث الفيلم بلا شكّ في كندا. ولكن هناك أيضاً الكثير من الفارسية التي تتحدّث بها الشخصيات، كأن الإيرانيين أضحوا الأكثرية هناك. وهذا أمر محيّر بشكل خاص في المشهد الافتتاحي في المدرسة، المطبوع بالعديد من التغييرات اللغوية.
يقدّم الفيلم قصصاً وخطوطاً عديدة تدور كلها في مكان ما بين طهران ووينيبيغ: في البداية هناك نيجين ونازغول (روجينا إسماعيلي وصبا وحيد يوسفي، على التوالي)، شقيقتان مراهقتان من أصول إيرانية، تعثران على ورقة نقدية مجمَّدة في جليد الشتاء وتحاولان إخراجها لمساعدة زميلتهما في الفصل أوميد (سبهان جوادي) في شراء نظّارة جديدة بدلاً من السابقة المسروقة بواسطة ديك رومي. يعود ماثيو (يلعب دوره المخرج نفسه) إلى وينيبيغ بعد أن ترك وظيفته البيروقراطية في حكومة كيبيك لزيارة والدته التي لم يرها منذ سنوات؛ أخيراً، هناك مسعود (بيروز نعمتي)، مرشد سياحي مستقل يكافح باستمرار لجعل مدينته (وينيبيغ) أكثر إثارة للاهتمام في أعين السائحين المذهولين، وفي الأثناء يتتبّع ماضيه أيضاً.
كل هذه القصص التي تبدو غير مترابطة تُنسج ببراعة ضمن تقاطعات المكان والزمان والهويات الشخصية داخل سيناريو الفيلم المكتوب بستة أيادي لماثيو رانكين وبيروز نعمتي وإيلا فيروزآبادي. أكثر ما يلفت الانتباه في هذا العمل الرائع كيفية تحرّك كتّاب السيناريو للأمام والخلف في الزمن دون شرح أي شيء، معتمدين على انتباه المتفرّج إلى التفاصيل واللحظات الصغيرة المكوِّنة للفيلم. مثلاً، عندما يأتي الفيلم على ذلك الجزء الذي يُسرد من خلال عيون الفتيات، نادراً ما نرى وجوه البالغين؛ في البداية يبدو الأمر وكأنه قرار جمالي لإبراز نبرة سردية طفولية، لكن السيناريو يفاجئنا عندما يُعيد الكتّاب رواية القصة لإعطائنا صورة كاملة لها.
أيضاً التصميم الإنتاجي (لويزا شاباس) متاهة مذهلة: كل مبنى في المدينة يبدو مطابقاً تماماً للمبنى المجاور، في حين يُفصل بين الأحياء اعتماداً على لون الواجهة. يعمل هذا على توليد نكتة مضحكة بين الفتيات، لكنه أيضاً يربك المشاهد ويعمل في الوقت نفسه ضمن سرد الفيلم: تبحث الشخصيات عن بعضها البعض وتتقاطع مع بعضها البعض في هذه المتاهة ولكنها لا تعرف بالضبط مَن الذي تبحث عنه أو لماذا، تحرّكها نيّة ما ولكن دون فهم الهدف تماماً.
تعتبر روح الدعابة في الفيلم من أقوى نقاطه، فهو لا يعتمد على الكوميديا الجسدية أو النكات المستمرة في الحوارات، بل يختار كتّاب السيناريو بناء مواقف يومية تصل حدّ العبث. مثلاً، يعرض الفيلم علاقة غريبة بين بائع منتجات دواجن وديك رومي تعرّف عليه عبر الإنترنت؛ الوضع غريب، خاصة عندما نسمع الشخصية تندب وتتحدث عن الديك الرومي وكأنه شخص تربطه به علاقة عبر تطبيق مواعدة. كل لحظة من هذه اللحظات موجودة، وأحياناً في الخلفية لمشاهدتها، لكنها لا تبتعد أبدًا عن التركيز المركزي للقصص الرئيسية.
إلى ذلك، يتمتّع "لغة عالمية" أيضاً بمساحة للدراما والتأملات العميقة. العلاقة بين ماثيو ومسعود معقَّدة ومتعددة الطبقات: عندما نصل إلى الفصل الثالث، وتأخذ كل قطع البازل مكانها، تأخذ القصة نبرة أكثر حميمية وميلاكولية. مع التفسير الأخير لمسعود يمكننا أن نفهم رسالة الفيلم: الحبّ والتعاطف هما اللغة العالمية، بدفعهما العالم وقيادة الناس إلى أن يكونوا أفضل. هذا التأمّل يرافق كل قصة من قصص الفيلم، الذي يذكّر في بعض لحظاته بأفلام آكي كوريسماكي و/أو روي أندرسون و/أو تشارلي كوفمان.
"لغة عالمية"، أحد أفضل أفلام الدورة الأخيرة من مهرجان كانّ السينمائي، يصعب تصنيفه، رحلة غريبة غالباً ما تبدو غير منطقية، إلا أن روح الدعابة العبثية ورحلة كل شخصية تجعل التجربة ممتعة وتبقيك مفتوناً. إلى أين يذهب كل هذا؟ الإجابة مثيرة للاهتمام وغير متوقعة، لكنها تقودك أيضاً إلى التفكير في حياتك وأفعالك.
(*) فاز الفيلم بجائزة الجمهور في مسابقة "أسبوعَي السينمائيين".


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top