في خطوةٍ مفاجئة، جدّدت الصين دعمَها لِجهود الإمارات العربية المتحدة للتوصل إلى “حلّ سلمي” لقضية الجزر الثلاثِ: طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى؛الأمر الذي أغضب إيران ودفعها لان تستدعي سفير الصين الجديد لدى الجمهورية الإسلامية “كونغ بيوو” ، لتعرب خلال اللقاء عن توقعها من بكين “تصحيح موقفها” بشأن هذه الجزر .
ويُعدّ الموقف الصينيّ “زلزالا جيوسياسيا”، خاصةً في ظلّ التحالف الاستراتيجيّ الوثيق بين الصين وإيران ، والذي تمّ تعزيزُهُ مؤخرًا ب”اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة” ، الموقّعة في آذارِ 2021 ، والتي بموجبها تضطلع الصين بأدوار مهيمنة في قطاعات النفط والغاز والبنية التحتية الإيرانية مقابل استثمارات صينيّة بقيمة 400 مليار دولار، لمدة 25 سنة.
والجدير بالذّكر أنّ الصين كانت قد أصدرت بياناً مشتركاً مماثلاً ومطابقاً مع مجلس التعاون الخليجي بشأن الجزر الثلاث في كانون الأول 2022.
فلماذا تدعمُ الصين الموقف الإماراتيّ رغم تحالفها الاستراتيجيّ مع إيران؟
و ما دلالة عودة هذا الملفّ إلى الواجهة في هذا الوقت؟
هل يُشير هذا التكرار في دعم الإمارات إلى التراجع في علاقات الصين مع إيران؟
إنّ دعم الصين للإمارات في نزاعها مع إيران على الجزر الثلاث يُمثل مفارقة سياسية، لا بد من النظر اليها من عدّة نقاط.
أولا، تسعى الصين جاهدةً لتقديم نفسها كوسيط عالمي محايد يساهم في حلّ النزاعات وحفظ السلامِ في مختلفِ أنحاء العالم. إلى جانبِ ذلك، تُقدّم الصين نفسها كجزءٍ لا يتجزّأ من الحلول لمختلف المشاكل، بدءًا من أزمات الشرق الأوسط إلى التحديات الاقتصادية العالمية، فمن وساطتها في التقاربِ السعوديِّ-الإيراني الى مطالبة حماس بأن تكون الصين ضامنة لقرار وقف اطلاق النار في غزة، تُؤكّدُ الصينُ على دورها كلاعب رئيسي في معالجة القضاياِ الإقليمية والدوليةِ، في سبيل تحقيق السلام في العالمِ.
ثانيا، تؤكّد العلاقات الاقتصادية العميقة بين الصين والامارات أن المصالح في العلاقات الدولية أكثر أهميّة من المبادئ أو حتّى من الإيديولوجيات. ففي ظلّ حجم التجارة والاستثمار المُتبادل الهائل، تُدركُ الصينُ أنّ أيّ ضررٍ يلحق بالعلاقات مع الإمارات سيلحق ضررًا كبيرًا بمصالحها.
فكيف للصين أن لا تتمسك بالإمارات العربية المتحدة وهي أكبرَ شريك تجاري لها في الشرق الأوسط؟
لقد أكّدت الأرقام أن حجمُ التجارةِ غيرِ النفطية بين الصين والإمارات بلغ 95 مليار دولار أمريكي في عام 2023 ، ومن المستهدف أن يصل إلى 200 مليار دولار في عام 2030؛ بينما لم تبلغ الاستثمارات الصينية في إيران خلال الفترة من عام 2021 إلى عام 2023 ما يوازي 23 مليار دولار فقط.
وكيف للصين أن تضحي بشريك يعزز ازدهارها، في الوقت التي تواجه فيه رياحا اقتصادية معاكسة، تتجلى في تباطؤ نمو ناتجها المحلي الإجمالي إلى 4.3 بالمئة في الربع الأول من عام 2024، ومشاكل القطاع العقاري ، والمشاكل الديموغرافية، وارتفاع نسبة البطالة، وخروج العديد من الشركات من السوق الصينية والتوجه نحو دول أخرى في شرق آسيا؟ لذلك، تسعى الصين إلى حلّ النزاع بين الإمارات وإيران بطريقةٍ سلمية، لتُحافظ على مصالحها مع الإمارات التي تشكل رافعة لاقتصادها. وبشكلٍ عامّ، تُشير خطوة الصين إلى أنّ لعبة المصالح هي العامل الأساسيّ الذي يُحرك دبلوماسية الدول في المنطقة.
ثالثا، تُحاول الصين تسويقَ نفسها كبديل للولايات المتحدة بالنسبة للإمارات، خاصةً بعد مشاكل الثقة التي واجهتها أمريكا مع حلفائها في المنطقةِ، مثل حربِ اليمنِ والاتفاقِ النوويِ مع إيران. لقد سمحت هذه المساحات من عدم الثقة في الولايات المتحدة، للصين أن تتسلل لتقدّم نفسها كشريك تجاري وسياسي بديل، يمكنُ الاعتمادِ عليه.
في الختام، بدلاً من الانزعاج من موقف الصين بشأن الجزر، من الأفضل لإيران أن تختار التركيز على تعزيز علاقاتها الاقتصادية والسياسية الوثيقة مع بكين، والتي أثبتت لفترة طويلة أنها شريان حياة للاقتصاد الإيراني في مواجهة العقوبات الدولية والاحتكار السياسي…
في النهاية، لا توجد خيارات سهلة في عالم السياسة، وجميع الدول تضطرّ إلى التوازن بين مبادئها ومصالحها. وبالنسبة لإيران، فإنّ الحفاظ على علاقاتٍ إيجابيةٍ مع الصين قد يكون الخيار الأكثر براغماتية في هذه المرحلة.
الكاتبة: الدكتورة إيمان درنيقة الكمالي
أستاذة جامعية وباحثة سياسية
موقع سفير الشمال الإلكتروني