2024- 06 - 28   |   بحث في الموقع  
logo "NBC": أميركا تستعد لعمليات إجلاء والإسرائيليون مصممون على الحرب logo وهم إسرائيل و"عقلانية" أميركا: رسائل مطمئنة للبنان تستبعد الحرب logo اليوم العالميّ لمساندة ضحايا التعذيب: سجل لبنان المخزيّ جدًا logo “الحزب” ينعى مزيدا من الشهداء logo بهاء الحريري: معاً سنعمل على إعادة بيروت منارة تجمع اللبنانيين logo مكافأة مالية كبيرة لمنتخب جورجيا logo تفاصيلُ زيارة غالانت إلى واشنطن logo تحطّم قمر اصطناعي روسي في الفضاء
هل يصعب حقاً نسيان "جرح"ريما حسن؟
2024-06-08 06:25:48


قد تفوز الفلسطينية ريما حسن في انتخابات البرلمان الأوروبي غداً الأحد في فرنسا، الانتخابات التي انطلقت يوم الخميس بدءاً من هولندا. اليمين المتطرف الفرنسي صوّب بشدّة وبكثرة على الشابة الفلسطينية من بين مرشّحي حزب فرنسا الأبية الذي يرأسه ميلانشون، وربما "للمفارقة" يخدمها استهدافها من قبل اليمين ورفع دعاوى ضدها على خلفية موقفها من الحدث الفلسطيني، إذ سلّط ذلك كله المزيد من الأضواء عليها، ومن المرجح أن تستقطب أصوات الكثيرين من خصوم اليمين المتطرف فضلاً عن نسبة معتبرة من الناخبين من أصول عربية.
في الأسابيع الأخيرة أيضاً ثار جدل سوري حول ريما حسن، بدأ بتصويب البعض عليها على خلفية زيارة قامت بها إلى سوريا، هي المولودة في مخيم النيرب قرب حلب، ونشرت صوراً من زيارتها على حسابها في أنستغرام وكأن كل شيء في سوريا على ما يرام، أي من دون اعتبار لحساسية السوريين المهجَّرين من قبل الأسد والممنوعين من زيارة بلدهم وحساسية أهالي الضحايا الذين قتلتهم قوات الأسد. ورغم عدم وجود تصريحات لها شخصياً داعمة للأسد إلا أنه لم يصدر عنها ما يشجب جرائمه، ومنها جرائم إبادة، ويستدل منتقدوها السوريون بموقف رئيس حزبها ميلانشون المؤيد لجرائم روسيا في سوريا وللأسد عموماً إذ من المنطقي أن تكون منسجمة معه.
إذا تحقق أسوأ الاتهامات الموجّهة لها تكون ريما حسن واحدة من كثر، كأفراد وتيارات، لهم موقف غير أخلاقي من القضية السورية، بخلاف موقفهم من القضية الفلسطينية الذي يدفع بالعامل الأخلاقي إلى الصدارة. وبما أنها حالة معروفة جيداً لدى السوريين فلا ينبغي لريما حسن أن تبدو على نحو خاص كأنها تتسبب بجرح يصعب نسيانه لدى معارضين سوريين يشهدون تغييباً وإماتة للموضوع السوري منذ سنوات، لا بسبب انشغال العالم منذ شهور بالشأن الفلسطيني. الأهم أنها تؤخذ كنموذج معياري فلسطيني، لينال الهجوم عليها من موقفها الفلسطيني ومن أمثالها أينما كانوا الذين لم يسبق لهم التضامن مع السوريين.
معظم السوريين الذي هاجموا ريما حسن أفصحوا عن مواقف ثأرية من القضية الفلسطينية، مواقف مبنية بنسبة كبرى منها على التنكر لقضية لطالما استثمر الأسد في شعاراتها على حساب السوريين، وكأن نسبة متزايدة منهم تريد الخلاص من ذلك الإرث كله. أيضاً يمكن فهم هذه النزعة الثأرية من الماضي البعثي-الأسدي، ويمكن تفهّم السعي إلى امتلاك معرفة وموقف فرديين للموضوع الفلسطيني بخلاف التنشئة الإلزامية لذلك الماضي المقيت. إلا أن مصيبة الثأريين هي في جذريتهم المزعومة، والتي تصل بمعظمهم إلى تبني مواقف تصبّ "مباشرة أو مداورة" لصالح الهجوم الإسرائيلي الحالي على غزة، ولا يندر بينهم من ينظر بلا تمييز إلى المتضامنين مع الفلسطينيين باعتبارهم جميعاً أصحاب فهْم سياسي متقادم.
ومما يتكرر في هذا السياق إدانة ريما وأمثالها تحت يافطة المبدئية والانسجام، وبعبارات من قبيل: لا يحق لمن تجاهل المقتلة السورية أن يتضامن مع ضحايا المقتلة الفلسطينية. لقد قيل هذا الكلام أيضاً عندما رفعت جنوب أفريقيا دعوى ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، إذ كتب سوريون: لا يحق لجنوب أفريقيا التحدث عن الإبادة لأنها كانت داعمة للأسد في المحافل الدولية. هذه الصياغة الثأرية المتداولة تمنع صياغة أخرى "بنّاءة" تطالب جنوب أفريقيا وسواها بالانسجام واتخاذ مواقف على السوية ذاتها من القضايا المتشابهة، رغم صعوبة تطبيق ذلك فيما يخص سياسات الدول.
ما يفعله المنطق الثأري هنا أنه يبدو مصيباً "شكلياً" بتجريد أشخاص أو كيانات ودول من حق الإدانة بسبب ممارسته على نحو انتقائي، إلا أن المضي بهذا المنطق حتى النهاية يفضي إلى تجريد الجميع من حق الإدانة، ومنهم السوريون جميعاً الذين ليس لهم تاريخ يُذكر على صعيد التضامن مع الضحايا، وفي المحصلة يكون ليس من حق أحد على الإطلاق أن يدين الجرائم الحالية أو المقبلة. وهناك بين الذين أدانوا انتقائية جنوب أفريقيا أشخاص ينظرون إلى فكرة التضامن مع الفلسطينيين بوصفها موضة يعود تفكير أصحابها إلى الفكر القومي العروبي وينبغي التخلي عنها لهذا السبب، ومن المستغرب أن من ينتقد التضامن على أساس قومي، ويُفترض أنه يطالب جنوب أفريقيا به على أساس إنساني بلا انتقائية، لا يطالب نفسه بالمثل فيما يخص الضحايا المدنيين في غزة.
إشكال آخر يبرز بشدة مع المنطق الثأري هو تقديم إجابة بسيطة، أحادية إلى حد كبير، على واقع سياسي شديد التعقيد. ما يقع خارج التبسيط مثلاً أن معارضين سوريين توسّلوا الدعم الأمريكي من أجل إسقاط الأسد، ولا يزالون. والأكيد أن هذا التوجه لا يرضي نسبة كبيرة جداً من الفلسطينيين الذين يأخذون على واشنطن دعمها المطلق لإسرائيل في كافة اعتداءاتها، لا في الحرب الحالية فحسب.
ومن ضمن اختزال وتبسيط الواقع المعقّد أن يُنظر إلى السوريين أنفسهم "المعارضين على الأقل" ككتلة متشابهة الأهواء، في حين أن واقع هؤلاء بين نازحين في الداخل ولاجئين في الخارج لا يسمح بتاتاً بهذا التبسيط المسفّ. في فرنسا مثلاً، قد يجد السوري الحاصل على الجنسية الفرنسية نفسه أمام مفاضلة شاقة كأن تصبح المنافسة على الرئاسة بين اليمينية المتطرفة مارين لوبان أو ماريون مارشال لوبان من جهة وميلانشون من جهة أخرى، ولا فضل لأي منهما على الآخر في الموقف من الأسد، لكن لحزب ميلانشون مواقف إيجابية من اللاجئين بخلاف اليمين العنصري الذي يدعو إلى طردهم. بعبارة مبسطة، هناك ملايين اللاجئين السوريين في مختلف الدول سيكونون في العديد من المحطات الانتخابية أمام تناقض بين ما يرونه مصلحة لبلدهم الأم ومصالحهم في بلدانهم الجديدة، وسيغلِّب معظمهم الثانية.
ورغم شدّة التفكير الثأري في انتقاد الغير، فإن واحداً من مظاهره هو التحلل من المسؤولية، لأن حجم الإدانات الموزع هنا وهناك يعفي بطبيعته من الالتزام الأخلاقي أو السياسي تجاه الـ"هنا وهناك". قد يبدو هذا التحلل بلا قيمة، إذ يصدر في حالتنا عن ضحايا وضعفاء إزاء ضحايا وضعفاء آخرين يحتاجون إلى مؤازرة الأقوياء. غير أن الجانب الإجرائي لا يختزل مفاعيل التضامن بين البشر، وقد اختبر السوريون مرارة عدم التعاطف معهم من قبل شعوب في الجوار، رغم إدراكهم أن التضامن المطلوب له قيمة رمزية ليس إلا، وكان أقسى ما اختبروه وجود سوريين شجّعوا على إبادتهم فضلاً عن الذين تولوا القيام بها.
نعلم أن ريما حسن بالنسبة لبعض مهاجميها هي كناية عن مواقف لا يُراد إعلانها صراحة، أي أن البعض وهو يدّعي التخلص من الإرث البعثي-الأسدي لا يستطيع التخلص من إرث ممارسة المداورة والتقية. بصرف النظر عن هذا، إذا كانت ريما حسن من السوء حقاً على مثال ما يصوّره أشرس منتقديها فأفضل ما يفعله السوريون أن لا يكونوا على شاكلتها، وهذا فعل سياسي في المقام الأولى وليس نوعاً من التسامح أو التسامي. إنهم يحتاجون ذلك من أجلهم لا من أجل الفلسطينيين، أما تفشّي المنطق الثأري تحت أي عنوان مخادع فسوف يُترجم بالدم بين السوريين أنفسهم أولاً وآخراً.


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top