كسرَتْ المدنُ الثّلاث (Tripolis) بحسب اللّغة اليونانية، أو “الفيحاء” بحسب الوصف العربي الجميل، التّهميشَ الذي تمارسه الدّولة اللبنانية على الأطراف، خصوصًا “طرابلس” التي كانت المدينة الأبرز على ساحل البحر الأبيض المتوسط اقتصاديًا وسياسيًا وجغرافيًا، من خلال إعلانها عاصمةً للثقافة. الإعلان الذي تأجّل من سنة 2021، إلى العام الحالي بسبب ظروف لبنان الأمنية ثم كورونا، أتى ليبعث نورًا من الأمل والحياة وفسحةً من العلم والأدب في ظلمة الحرب والفقر.
وكسَرَ وزير الثقافة محمد المرتضى كذلك الجمود في البلاد بسبب اعتداءات الكيان الصهيوني من جهة، والظروف الاقتصادية والمعيشية من جهةٍ ثانية، ليحطّ رحاله في عاصمة لبنان الثانية، مفتتحًا فعاليات الثقافة لهذا العام، مُصرًّا على إحياء هذا التتويج وإعطاء طرابلس بعض حقّها بعد مراحل من الإهمال والتقصير الحكومي، معلنًا عن طرابلس “عاصمة أولى ودائمة للثقافة في وطننا”.
هي واحةٌ ثقافيةٌ إذًا في صحراء من الأزمات والحرمان، في مدينة تستحق ذلك التتويج من قبل المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، لما تحتوي عليه من التراث الكبير، والتنوع الثقافي، والغنى بالآثار القديمة لحضارات عديدة، وكذلك العمران والفنون، حتى وصفها الكثيرون بأيقونة الفن والجمال.
انطلقَت الفعاليات رغم عدم وجود موازنة، موازنة صفر كما صرح الوزير نفسه، ورغم التأخر في الإطلاق، ولكن أمام عاصمة الثقافة فرصة حتى آخر العام لتُبرزَ نتاجَها وتراثها على مختلف الصعد الفكرية والأدبية والعلمية والفنية، وتُعرّفَ العالم على كنوزها التاريخية. ولطالما قدّمت طرابلس للثقافة والوطن، وأثرتها رغم البؤس والحرمان، واليوم تستهلّ جهودها وفعالياتها بخطوة على طريق القدس، عندما وقعت اتفاقية توأمة ثقافية مع مدينة القدس في حفل رسمي أقيم بمناسبة إعلان مدينتنا الفيحاء عاصمة للثقافة برعاية رئيس الحكومة نجيب ميقاتي. وهذا دليلٌ على أن ثقافة بلادنا الأولى هي النضال ومواجهة الظلم ونصرة قضايا الحق، لتبقى طرابلس عاصمة دائمة للثقافة في وطننا، وناصرةً ثابتة لفلسطين.
موقع سفير الشمال الإلكتروني