ليس تفصيلاً بسيطاً أن يدخل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة يومه الـ232 من غير أن يستطيع جيشه حسم الحرب لصالحه، ولا تحقيق الأهداف التي شنّ من أجلها عدوانه على القطاع، وتدميره بهمجية لم يشهد التاريخ مثلها من قبل؛ ولا أمراً عادياً أن يستطيع المقاومون في القطاع المدمّر الصمود طيلة هذه الفترة من غير أن يستسلموا أو يرفعوا الراية البيضاء، بل على العكس، فهم مستمرون في الصمود، يقاومون ويفاوضون ويفرضون شروطهم على العدو.
لم يعرف الكيان الإسرائيلي مواجهة من هذا النوع ضده منذ نشأته عام 1948، برغم أنّ المقاومة لم تتوقف في وجهه طيلة أكثر من 7 عقود من الزمن، لكنّ ما حصل في 7 تشرين الأوّل الماضي (عملية طوفان الأقصى) وما تلاها، أعطى دليلاً واضحاً على أنّ المقاومة ضد الكيان الغاصب قد استطاعت نقل المعركة ضد العدو إلى مكان آخر، وأنّ واقعاً جديداً قد فرض نفسه على الأرض لا يستطيع العدو تجاوزه ولا القفز فوقه.
ولعلّ الأكثر دلالة وأهمية في هذه الحرب ليس أنّها الأطول في تاريخ الحروب التي يخوضها العدو، وهي تستنزفه يومياً، ولا قدرة المقاومين على الصمود والمواجهة في واحدة من أشد الحروب ضراوة في مواجهة العدو، إنّما لأنّ هذه الحرب إنتقلت إلى بيت العدو، في حين كان في السّابق يخوضها في بيوت الآخرين.
فللمرّة الأولى منذ حرب العام 1973 يجد جيش العدو الإسرائيلي نفسه أسيراً بأيدي خصومه، وهذه المرّة مقاومون تابعون لحركة حماس وليس جيشاً نظامياً، ما يؤكّد أنّ متغيّرات كثيرة طرأت على الأرض منذ أكثر من 50 عاماً، ومفاجآت كثيرة سُجّلت وصدمت العدو وأربكته.
وللمرّة الأولى في تاريخ الصراع مع العدو الإسرائيلي يجد الأخير نفسه في موقع لم يعهده من قبل، وهو أنّ المناطق المحتلة المتاخمة للمناطق التي تشهد حروبا قد خلت من مغتصبيها من المستوطين، سواء في محيط قطاع غزة أو الأرض المتاخمة للبنان من جهة شمال فلسطين المحتلة، وأنّ أغلب سكان هذه المناطق قد هربوا منها تحت تأثير ضربات المقاومين، إلى حدّ أنّ بعض وسائل الإعلام الغربية، وكذلك في الكيان الغاصب، بدأت تتحدث عن شريط حدودي مع قطاع غزة وشريط حدودي آخر مع لبنان، بعمق لا يقل على 10 كيلومترات في كل منهما، قد أصبحا منطقتين خاليتين من السكّان، بعدما تحوّلا إلى ساحات للمعارك بين جيش العدو والمقاومين.
هذا التراكم في الأهداف التي يحققها المقاومون ضد العدو على مختلف الجبهات سواء في فلسطين المحتلة أو لبنان أو سوريا أو العراق واليمن، تؤكد بأنّ متغيرات عدّة تحققت على الأرض، وبأنّ مجريات الامور لا تسير كما يشتهي العدو، ولا تصبّ في مصلحته، بعد مرور 232 يوماً على بدء العدوان.
في السّاعات الأخيرة بدأ كثيرون يتحدثون عن تغيّرات تشهدها جبهة الجنوب، جاءت للمفارقة في يوم الإحتفاء بذكرى تحرير الجنوب من المحتلين الصهاينة عام 2000، ومع ما قاله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بالمناسبة، أمس، ردّاً على تهديدات رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو تجاه لبنان من أنّه “يجب عليه أن ينتظر من مقاومتنا المفاجآت. خداعه لا ينطلي علينا، ولا ضغوط أسياده تنفع”.
(موقع سفير الشمال الإلكتروني)