بعد ان هزت فضيحة “التيكتوكرز” المجتمع اللبناني وفي وقت لا تزال التوقيفات لمتورطين بعمليات استدراج اطفال واغتصابهم واستغلالهم مستمرة وتتكشف فصولها الخطيرة يوماً بعد يوم تبين ان
الوعي هو سلاح المواجهة الاهم ومن دونه لا يمكن الحد من خطورة وسائل التواصل الاجتماعي ان استخدمت في غير مسارها الصحيح.
ماذا يقول رجال الدين حول هذه الفضيحة وهل اسباب هذا الانحراف نقص في التربية او ابتعاد عن الدين والاخلاق؟
يقول الشيخ مصطفى ملص لـ ” ”: ان لكل مجتمع اعرافه وتقاليده ، والدين مصدر اساسي من المصادر التي تكوّن منظومة الاعراف والتقاليد، وربما وجدت بعض الأعراف والتقاليد من مصدر اجتماعي ولكن لتكسب نوعاً من القداسة يجري نسبتها إلى الدين وهي ليست من الدين، كما يحصل في مجتمعاتنا الشرقية، وعلى كل حال أياً يكن مصدر العرف الإجتماعي فإن مخالفته أمر مدان ومستهجن، وقد يصل الأمر بالهيئة الاجتماعية أن تسن قوانين تعاقب من يخالف عرفاً معيناً وهنا تصبح المخالفة بالإضافة إلى تحريمها دينياً واجتماعياً محرمة بموجب القانون.
ورأى اننا وصلنا إلى مرحلة أصبحت فيها الدعوات إلى مخالفة التقاليد والأعراف الإجتماعية والدينية دعوات منظمة ومدعومة ومحمية من جهات تجاهر بذلك الدعم، وأصبحت منصات التواصل الإجتماعي منابر ناشطة في هذا المجال، ولأنه لا قيود مسبقة ولا رقابة اجتماعية مسبقة على ما يتم نشره، أصبحت الأمور متفلتة إلى حد بعيد، وبالتالي فإن اثر التعاليم الدينية أصبح ضعيفاً جداً في مواجهة كثير من دعاوى الإنحراف والإنحلال نظراً لكون سلطة الدين هي سلطة تنبع من داخل الفرد، ونظراً لكون الهيئة الإجتماعية لم تعد في وارد تبني العقوبات الدينية ما لم تكن قد تبنتها قوانين الدولة، فإن التعاليم الدينية التي ترفض الإنحراف والشذوذ وغير ذلك من الموبقات الإجتماعية تبقى تعاليم نظرية ولا تتمتع بنفس الدعم الذي تقدمه جهات معينة دولية وإعلامية لجعل الإنحراف والإنحلال والشذوذ أمراً طبيعياً .
وردا هل سؤال حول من يتحمل المسؤولية رأى الشيخ ملص ان تحميل مسؤولية الخطأ لجهة معينة بحد ذاتها أمر فيه الكثير من عدم الدقة والتجني.
وقال: المسؤولية في رأيي تتشارك فيها معظم مكونات الهيئة الإجتماعية محلياً بالإضافة إلى الضغوط التي تمارسها هيئات وجهات خارجية تسخر ادوات إعلامية ومنابر دولية تدعو إلى الإنحلال الأخلاقي والإجتماعي، وبالتالي فإن الهيئات الدينية قطعاً تتحمل جزءاً من المسؤولية وليس رجال الدين كأفراد لا يملكون أي سلطة، وكذلك وزارة التربية التي تشعر كمواطن أنها جهة غير مؤهلة لمواجهة مشاكل الجيل التربوية، وبالتالي هي ليست مرجعية تربوية وإنما هي مرجعية تعليمية ووظيفة لعشرات الألاف من الموظفين المهنيين والإداريين، أما الأهل فكان الله في عونهم، وهم بالتأكيد يتحملون قسطاً من المسؤولية رغم أن القسم الأعظم منهم غير مؤهلين أساساً للقيام بمسؤوليتهم التربوية كأهل.
واوضح أن الإنحلال والميوعة الأخلاقية والشذوذ هي ليست ظواهر معاصرة اذ ان المجتمعات قد واجهتها، ولكن هناك فرق بين أن تكون مستنكرة ويخجل بها الناس ومن مرتكبيها، وبين أن يدعى إلى ممارستها علناً وعلى العلن.
واعتبر ان اي نصيحة للاجيال المستهدفة بمخططات الفساد كأفراد ليس لها معنى ولا فاعلية، اذ يجب ان تكون للمجتمع الاوسع والتحرك بقوة على الصعد الإعلامية والتوجيهية والتوعوية والقانونية، وإيجاد التشريعات التي تعين على مواجهة المفسدين والداعمين للفساد الإجتماعي .
من جهته قدس الأرشمندريت برثانيوس ابوحيدر خادم رعية ابوظبي والعين في الإمارات العربية المتحدة اكد انه لم يفاجأ بما حصل داعياً العائلة المسيحية للعودة الى جذورنا وتراثنا ولتلعب دورها الاساسي في البيت، اليوم في مجتمع مادي استهلاكي تطلعاتنا هي دائما للخارج ولا نهتم بالداخل.
ما حصل في لبنان يدعو اولا العائلة الى لعب دورها الاساسي بمراقبة الاولاد وتوعيتهم وعدم تركهم للغوص في صفحات او جلسات لوحدهم، التوعية اليوم مطلوبة من الام والاب بالدرجة الاولى ومن بعدها المدرسة التي فقدت دورها الى حد ما وادعو الأساتذة اصحاب الضمير ان يكون لهم دور تعليمي وتربوي وابوي تجاه تلاميذهم.
وأسف كون المناهج الجديدة افقدت المدرسة موضوع التربية و واصبحت المدارس تترك الولد على سجيته دون ان يعاقب على تصرف ما، ولا اعني بذلك الضرب ولكن مثلا نحن جيل ضربنا وعوقبنا وهذا الامر اثر على شخصية البعض ولكن رغم كل ذلك نحن جيل لدينا الى حد ما مسؤولية تجاه ما نفعله من أخطاء، لذلك لا يمكن ترك الولد على سجيته في المدرسة او في البيت، لا يجوز تركه من دون مراقبة كما لا يجوز ان يُحرم من حب وحضن الام والاب.
ورأى ان “ما حصل في لبنان مؤسف ولدي شعور بأن عدد الضحايا اكبر بكثير من الرقم المعلن وللاسف ان هؤلاء الاشخاص فكروا بالمكسب المادي من دون ان يفكروا بمستقبل الاطفال والشبيبة الذين تعرضوا لأسوأ انواع الضغط النفسي”.
واوضح ان المطلوب اليوم من الدولة رعاية هؤلاء الاطفال والقصّر والمطلوب من الاهل عدم القسوة عليهم، ولا يجب على الاهل ان يخجلوا من الاعلان عن هذا الامر وذلك مساعدة لمستقبل الاولاد لان هذا الامر سيولد مشاكل كثيرة للولد مع الوقت. فالبيت هو الاساس والطفل يتأثر بكل ما يجري حوله.
وشرح: نحن في الكنيسة يوجد توبة واعتراف وهذا علاج نفسي بحد ذاته واتمنى على الاهل ان يجعلوا بيتهم كنيسة ويعلموا اولادهم الصلاة ويؤدبونهم في بعض الاحيان ويقفوا بجانبهم كأصدقاء، وليتغاضَ الاهالي عن مشاكلهم خصوصا مع زيادة نسبة الطلاق، واقول لهم لا تفكروا بأنفسكم فقط.
واعتبر انه على الدولة اليوم تنفيذ الاحكام من دون تدخلات سياسية وعلى المذنب ان ينال عقابه ويتحمل مسؤولية أعماله وافعاله، فالعقاب موجود والتوبة موجودة ايضا.
بدوره اكد الواعظ الكبير واللاهوتي الاب حنا عبود عبر ان قصة التيكتوك الاساس هم الاهل لانهم مدرسة الايمان والاخلاق وهم المعلممون الاولون، قداسة البابا فرنسيس يقول في رسالة “فرح الحب” في الفصل السابع “اين الابناء” : اذا كان اولادكم امامكم ومعهم شاشات بين ايديهم فهم ليسوا امامكم هم في عالم آخر، ويقول في الرسالة: لا تسمحوا لاحد ان يملأ وقت فراغ اولادكم سواكم، وايضا: عودوا عن استقالتكم في تربية اولادكم.
واضاف: على الاهل مراقبة ابناءهم ليربحوهم، وطريقة التربية اليوم تجعل الابناء لا يستطيعون التضحية وخصوصا عندما يحصلون على كل ما يريدون، كما يجب على الاهل ان يبتعدوا عن “المماثلة الكاذبة” كما وصفها قداسة البابا بنديكتوس.
الكنيسة تنبه دائما، وقداسة البابا لديه في السنة رسالتين عن وسائل التواصل الاجتماعي او عن الاعلام والتي تدرس وتعطى للمركز الكاثوليكي ولكن التنفيذ يبقى ضمن العائلة، ففي النهاية الولد ييقى مع اهله اكثر من المدرسة والرعية، يجب المراقبة والانتباه للكثير من الامور فهذا يشكل خطرا كبيرا على مجتمعنا.