في لبنان مشكلة مجتمعية مزمنة لجهة عدم التعلم من التجارب. تفجِّر محاولات تصفية القضية الفلسطينية على أرض لبنان حرباً تدوم لخمسة عشر عاماً، فتستعيد بعض الطبقة السياسية الخطيئة نفسها بتشريع حدود لبنان بعد واحد وعشرين عاماً على الحرب. فبدلاً من المسارعة لإقفال الحدود اللبنانية ووضع سياسة واضحة وجازمة لمنع تدفق النزوح بما يفوق قدرة لبنان، تآمرت وتجاهلت وتهرّبت، فكانت النتيجة اليوم في العام 2024، أكثر مليوني نازح سوري، وإلى ازدياد...
وأن تأتيَ متأخراً، خير من ألا تأتيَ أبداً، كما يقول المثل الشهير. ومن هنا، يمكن الترحيب بكل ما ينضم إلى المبادرين بمعالجة معضلة النزوح منذ العام 2011، ومن ضمن ذلك التوصيات التي أصدرها المجلس النيابي الأربعاء، على أثر رد الفعل الساخط تجاه الرشوة الأوروبية، والسياسات الغربية عامة لتوطين النازحين في لبنان وإلغاء وجوده.
وتكمن أهمية التوصيات في أنها تضع سقفاً لتحرك حكومة تصريف الأعمال ورئيسها، لا بل أي محاولة تهرُّب من قبلها في التعاطي مع الضغط الدولي، كما أنّها تقدم للعالم وثيقة لبنانية رسمية بالثوابت تجاه النزوح ومواجهة تداعياته.
وقد عكست التوصيات الكثير من مطالب التيار الوطني الحر ومصطلحات خطابه، واقتراحات القوانين إزاء معالجة النزوح. ذلك أنها أشارت إلى الدخول غير الشرعي للنازحين السوريين، وتأكيد تطبيق القوانين اللبنانية على المخالفين لا سيما في مجالات العمل والضرائب والرسوم البلدية، إضافة إلى ترحيل السجناء. كما تكمن أهمية التوصية في التشديد على أن لبنان ليس شرطي حدود لأي دولة، بما يؤكد ما ورد في خطابات "التيار" ورئيسه جبران باسيل، وكإشارة واضحة للإتحاد الأوروبي ودوله.
وتأتي إشارة الوثيقة إلى تقديم الدعم والمساعدات في بلدهم سوريا، وكذلك ضرورة التواصل بين الحكومتين اللبنانية والسورية، لا لتعكس مطالبات "التيار" فحسب، بل لتقطعَ الطريق على المزايدين ممّن وصفهم رئيس "التيار" بأنهم أرادوا استعمال ورقة النازحين ذراعاً سياسيةً وعسكرية ضد الدولة السورية، في الوقت الذي يرفضون فيه حتى الساعة التواصل الطبيعي، والبديهي لما هو مصلحة لبنان، مع سوريا. وهذا ما كرّسته القوات اللبنانية اليوم في المجلس لجهة تقديم توصيتين مختلفتين، فقط للتمايز في مسألة الحوار والتنسيق مع الدولة السورية.
الجلسة كانت شهدت كلمةً شاملة لرئيس "التيار" النائب جبران باسيل أكد فيها أهمية مصطلح الوجود غير الشرعي، في انطباقه على النازحين. وذكّر فيها بخلفيات الحرب في سوريا لا بل في المشرق، لجهة الأهداف الدولية في تفكيك المجتمعات والدول وحماية إسرائيل ككيان أحادي يناقض فكرة لبنان في العيش معاً. وبعدما أشار باسيل إلى أخطاء قوى سياسية لبنانية في الإهمال والتعاطي الخاطئ مع ملف النزوح، خَلُصَ إلى لفت نظر المجلس نحو اقتراحات القوانين التي قدمها تكتل "لبنان القوي" ومن بينها ما هو نائم في أدراج رئيس لجنة الإدارة والعدل جورج عدوان منذ العام 2018. كما شدد باسيل على ضرورة تعميم تجربة البلديات الناجحة على كل لبنان في ظل فشل الحكومة المركزية.
وفي سياق العلاقة الضرورية مع الدولة السورية، لفت باسيل إلى استبعاد الحكومة السورية عن مؤتمر بروكسيل ما يعني أن المؤتمرين لا يبحثون عن حل ويريدون استمرار أزمة النزوح. وأكد أن "الخائف على بعض النازحين من النظام عليه اعادتهم للمناطق السورية التي معابرها من تركيا او العراق او الاردن"، مشددا على أنه وجوب "التعاطي بين الحكومتين اللبنانية والسورية".
وفي سياق الحرب في الجنوب، أطلق حزب الله عشرات الصواريخ في اتجاه مستوطنات الجليل، في الوقت الذي تواصلت فيه الغارات الإسرائيلية التي طالت سهل المنصوري. أما في غزة فاستمرت عمليات الفصائل الفلسطينية في جباليا التي شهدت قصفاً بالهاون الثقيل على تجمعات جنود الإحتلال الإسرائيلي، وكأن الحرب في أيامها الأولى.