2024- 09 - 21   |   بحث في الموقع  
logo هل ينتقل مشهد غزة الى لبنان؟.. عبدالكافي الصمد logo طلاب جامعات العالم يتحركون: يجب محاكمة إسرائيل!.. بلجيكا – حسناء سعادة logo استشهاد القائد الجهادي الكبير الحاج إبراهيم عقيل (الحاج عبد القادر) logo حزب الله ينعى ابراهيم عقيل رسمياً.. بانتظار الردّ النوعي logo حزب الله ينعى رسميا القائد الشهيد إبراهيم عقيل.. logo حرب "الإرادات" بين نصرالله ونتنياهو: تدمير ممنهج أم اجتياح؟ logo لبنان يدين إسرائيل بمجلس الأمن.. يطلب المساعدات وتجنّب الحرب logo نتنياهو يكثف اجتماعاته.. دعوات لفتح حرب لبنان الثالثة
عاطف ابو سيف:النكبة الجديدة..ثقافية أيضاً
2024-05-14 07:25:40

وصف الكاتب ووزير الثقافة السابق في الحكومة الفلسطينية عاطف أبو سيف، مظاهرات الطلاب التي تجتاح جامعات أوروبا حاليا وتطالب بإنهاء الحرب على غزة بأنها "مع الضحية وليست مع القضية"، مشيرا إلى أن مهمة النخب هي تحويلها إلى تضامن مع القضية الفلسطينية وهدفها السياسي؛ إنهاء الاحتلال واستقبال الشعب الفلسطيني وتصحيح مسار التاريخ الذي أصابه الاعوجاج عام 1948.
كلمة أبو سيف جاءت ضمن اللقاءات التي ينظمها مشروع «حلول للسياسات البديلة» في الجامعة الأميركية في القاهرة إحياءً لذكرى النكبة، وبالتزامن مع النكبة الجديدة التي يواجهها الشعب الفلسطيني في غزة. عقد اللقاء تحت عنوان "البعد الثقافي في نكبة فلسطين"، وتناول المكون الثقافي للنكبة منذ عام 1948 وحتى الآن، حاول فيه أبو سيف أن يقدم فهمًا للصراع على السرديات والتدمير المنهجي للثقافة والمعرفة الفلسطينية من قِبل الاحتلال قبل وأثناء الحرب الحالية، منطلقا من فكرة أساسية هي اعتبار أن ما حدث في النكبة كان تتويجا لنكبة ثقافية بدأت قبل عقود طويلة هدفت لشرعنة ما سيجرى وتثبيته فكريا في الوعي الغربي، وُظف خلالها الدين والمرويات والأساطير والاستشراق وأفكار عصري النهضة والتنوير، "ففيما كان رجال العصابات مشغولون بسرقة البلاد وقتل النساء والأطفال وكبار السن كما الرجال والشباب وتدمير البيوت على ساكنيها -تماما كما يحدث الآن في غزة- وباقتلاع الأشجار وسلب الفلسطينيين ليس فقط أرواحهم وبلادهم بل حتى فكرة وجودهم، كان ثمّة حرب موازية تشنها ماكنة الأفكار والمعرفة الصهيونية والإعلام على هذا الوجود وعلى نفيه من المرويات والسرديات وطمس أي أثر للحكاية الفلسطينية".
البعد الثقافي للنكبة
البداية الفعلية المتعارف عليها للنكبة كانت عام 48 عندما أُجبر الفلسطينيون على ترك بلادهم، لكن أبو سيف يلفت إلى ضرورة النظر للنكبة بوصفها تتويجا لجهود طويلة من الاقتلاع الثقافي والمعرفي الذي قامت به الحركة الصهيونية طوال عقود بغية التمهيد لجعل العالم يتقبل فكرة طرد الفلسطيني من بلاده، ولجعل عمليه الاقتلاع تلك تحقيقا لوعد طال انتظاره.
في رأيه إنه تمّ استلاب وسرقة فلسطين على مستوى الفكرة والرواية قبل أن يُترجم ذلك ماديا وعسكريا، بذلك "نُكبت" فلسطين ثقافيا في سياق التاريخ قبل أن تُسرق فعليا خلال النكبة، وعبر سلسلة طويلة لم تنته حتى اللحظة من إخراج فلسطين كجغرافيا والفلسطينيين كسكان للبلاد من سياق المرويات والسرديات التاريخية عن المنطقة "تم نفينا كفلسطينيين خارج الوعي العام لمسار التاريخ، وخارج النهر المتدفق لهذا المسار، استعين باللاهوت والدين والسرديات الغربية المختلفة من أجل تثبيت مقولة أن ثمة غريب يسكن البلاد مؤقتا، يجب طرده من هذه البلاد ويجب أن يحل مكانه شعب آخر، من أجل أن يعود الولد الضال". شكلتْ المرجعية التوراتية العامة وفق رؤيته إطارا لدعم وتدعيم هذا الادعاء حول ملكية الأرض وملكية الوطن القديم، وضرورة العودة إليه وتعزيزا لفكرة أن الرابط الإلهي لم ينقطع بين شعب الله المختار والأرض المقدسة.
الاستشراق
وُظف كل شيء بشكل ممنهج لخدمة المشروع الاستعماري الغربي، ليس للمنطقة العربية بل للشرق برمته، وكان الاستشراق في المقدمة كما يشرح أبو سيف، حيث عكست الكتابات كما التصوير التوجهات والرؤية الغربية لمناطق الشرق، من خلال تقديم الشرق المتخلف الهمجي الذي يعيش حياة بدائية في أرض ساحرة، هذه الأرض تنتظر قدوم وافد الحضارة الغربية لإعادتها إلى اللحظة الحقيقية، والمؤكد كما قال إن النظرة نفسها يمكن سحبها على مجمل التخيلات والصور التي تُقدم عن مناطق مختلفة أخرى غير الشرق كأفريقيا والهند، حيث لا بد للفن والثقافة أن يدعما توجهات المستعمر ويقدما شرعية لما يقوم به، لكن "في فلسطين كانت المهمة مركبة وأكثر تعقيداً، ومع ذلك ربما أكثر سهولة لأنها ترتبط بالدين، فإلى جانب المهام التقليدية للاستشراق فإن الغاية الكبرى والمقصودة كانت أن تُقدم الأرض المقدسة كأرض تنتظر أصحابها، وعليه يجب تهويم أو تبهيت حضور الفلسطيني في الفن والأدب الاستشراقي".تحدث أبوسيف بالتحديد عن الأعمال الفنية، وقال إنه في معظم الحالات يُرسم المكان فارغا والإنسان هشا بائسا، مدللا بمثالين نموذجيين برزا خلال القرن التاسع عشر، هما لوحات غوستاف باورنفايند، وروبرت ديفيس، ففي لوحات الأول بالكاد يمكن للمرء أن يرى وجه الفلسطيني المشوش الذي يُرسم من بعيد، "إنه ظلال لشيء موجود في الصورة، لكن لا معالم ولا تفاصيل له، حتى المكان ليس أكثر وضوحا، فرغم ما تمتعت به يافا كواحدة من أعرق الحواضر العربية في القرن التاسع عشر وأكثرها تقدما إلا أن الصور التي كان يقدمها كانت تخلى المكان من أي جماليات، وكانت ذات صورة استشراقية باهتة". نفس الشيء يمكن قوله على لوحات روبرت ديفيس، صورة "غزة" الشهيرة مثلا تصور مجموعة من الأشخاص البائسين المتهالكين يجلسون فوق كومة من الآثار، ينظرون للمدينة المهدمة التي لا يبدو منها شيء إلا أشباح مآذن مساجد ولا تُصوّر بشكل جمالي، وهو ما يتكرّر في لوحاته عن الناصرة وبيت لحم وغيرها.
أستعرض الوزير السابق مثالا آخر متعلق باللغة للتدليل على الاستلاب الثقافي والجرائم الفكرية التي تمت في العقل الغربي وتأكيد على "تنكيب فلسطين قبل النكبة"، فقال إن كلمة فلسطين أًدخلتْ في القاموسين الألماني والإنكليزي لوصف الهمجية، والفلسطيني بالفاء هو الشخص المعادي للثقافة الكاره للأدب غير المقدر للفنون والهمجي الذي لا يفهم الذوق المعرفي!
الواقع الثقافي قبل النكبة
تتكشف بشاعة الجريمة التي تمّت بحق البلاد بالنظر إلى وصف أبو سيف لواقع الحياة والثقافة في فلسطين قبل النكبة، يقول إنها لم تكن أرضاً بورًا ولم تكن أرضًا بلا شعب تنتظر من يعمرها، بل كانت تطفح حياة فعلا وإبداعا في كافة حقول المعرفة والثقافة، من الشعر والرواية والقصة القصيرة إلى الصحافة والسينما والمسارح والموسيقى والإذاعات والحرف التقليدية والمشغولات والأزياء، "كانت مدن فلسطين الكبرى حواضن ثقافية ومحجاً لكل من يريد الشهرة والترويج لعمله الفني، كانت مغناطيسا جاذبا لكل فعل ثقافي فني عربي، وكانت مسارحها ودور السينما فيها كما أنديتها الثقافية ومعارضها التجارية والفنية كما صحفها والإذاعة فيها كما مكتباتها ومطابعها ودور النشر والتوزيع، كانت كلها مراكز جذب لا يقاوم لكل من يريد أن يشهر عمله ويعلن عنه ويسوقه".
تحدث عن وفود الفرق المسرحية لأداء عروضها على مسارح يافا والقدس وحيفا وصفد، والزيارات المتوالية للمثقفين والمطربين والموسيقيين الكبار والصغار، "ليس عبد الوهاب وأم كلثوم فقط، ولا الجواهري وحافظ إبراهيم وميخائيل نعيمة، ولا العقاد وطه حسين، ولا نجيب الريحاني ويوسف وهبي وعلى الكسار، بل مئات الاعلام وفدوا من أجل أن تشع أسماؤهم في سماء فلسطين"، هذا كله يأتي في إطار ملاحقة البلاد لأي تحديث، بل إنها كانت حسب وصفه في أول القاطرة ما إن حانت لحظة النهضة العربية في القرن التاسع عشر بعد ظهور الطباعة والصحافة والمدارس ومعاهد التعليم والسينما، ووجدت فلسطين سبيلها نحو التحديث بسهولة، نظرا لوجود التنوع الديني من أديرة وكنائس ومساجد عامرة بالمكتبات وحلقات العلم، وأيضا لمكانة العاصمة وبيت لحم والقدس والناصرة، كما ساهم في ذلك فاعلية ميناء يافا وتطورها السريع كحاضرة تجذب الجمهور.
عرفت فلسطين المطابع مبكرا، بل ومن المؤكد حسب رؤية أبو سيف أنها سبقت الكثير من البلدان العربية بفضل الحاجة لطباعة الكتاب المقدّس، كما أن ازدهار السياحة الدينية ساهم في تطور الحاجة لظهور التصوير، وكانت المسارح أماكن مألوفة في المدن، بل كان المسرح مركبا أساسيا في المدارس الفلسطينية قبل النكبة، "وربما بمقارنة عدد دور السينما في البلاد في ثلاثينيات وأربعينات القرن الماضي بعدد سكان فلسطين في ذلك الوقت سنجد أنها تفوقت في مؤشرات الاهتمام بالسينما على الكثير من دول العالم، يافا وحدها كان فيها 11 سينما عاملة وقت أن كان عدد السكان لا يتجاوز 123 ألف نسمة".
خلال النكبة سُرق هذا كله؛ سُرقت كل الممتلكات الثقافية، السينما والمسارح وحتى البيوت واللوحات الفنية، كما نُهبتْ المطابع والكتب والآلات الموسيقية والإذاعات وتحويلها لإذاعات عبرية، لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فمع تنكيب الشعب الفلسطيني وسرقة بلاده حصلت نكبة أخرى بالتزامن، وهي واحدة من أبشع أشكال النكبة الثقافية كما يصفها وهي "عبرنة الخريطة الفلسطينية" حيث تم محو ومسح التجمعات والقرى والمدن الفلسطينية ليس فقط من خلال استبدالها بالكيبوتسات والبلدات الجديدة بل من خلال محوها ومسحها موضوعيا وعلميا في الأوراق البحثية والكتب الدراسية للجغرافيين والباحثين.
كما واجه الكتاب الفلسطيني المصير نفسه، سواء المملوك لفلسطينيين أو ذلك الذي ألفوه أو ترجموه أو طبعوه في مطابعهم، المكتبة العبرية وحدها أصبحت تملك آلاف من تأليف الفلسطينيين قبل النكبة، "طُورت استراتيجيات النهب والسلب والسرقة والاخفاء والتزوير وإظهار ذلك كله من باب الرأفة والإنقاذ!" والمحصلة إن 30 ألف كتاب كانت في المكتبات الخاصة والعامة في مدينة القدس صُودرت وموجودة حالياً في أرشيف المكتبة الوطنية الإسرائيلية، حتى مكتبات المدارس نُهبت، والاستيلاء على 40 ألف كتاب مدرسي، ومصادرة مخطوطات، وحرق أخرى.
غزة الآن
أما النكبة الجديدة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، والحرب التي تدخل شهرها الثامن حاليا فمحصلتها ثروة بشرية لا يمكن تعويضها وصلت لـ 35 ألف شهيد، وقرابة 80 ألف جريح، وشملت الانتهاكات الإسرائيلية تدمير المباني التاريخية والأثرية والثقافية، بحيث بلغ مجموع ما رُصد 207 مبان قديمة، 144 منها في البلدة القديمة، وهي مبان أعطت للمدينة شكلها وهويتها، هُدمت مساجد وكنائس أثرية، و26 مركزا ثقافيا ومسرحا، و9 دور نشر، وشركات إنتاج، و12 متحف، أشهرها المتحف على شاطئ مدينة غزة الذي يضم الاف القطع المختلفة من العهود الفينيقية والكنعانية حتى الوجود العثماني، كما تم استهداف وتدمير جميع الميادين العامة بالنصب التذكارية. هذا كله بالإضافة لاستشهاد قرابة 50 من الكتاب والفنانين والمثقفين.
اختتم أبو سيف كلمته بالتأكيد على أن النكبة الثقافية سبقت كثيرا النكبة الفعلية من خلال سرقة البلاد على مستوى الفكرة وترويج هذه السرقة وتثبيت الرواية التاريخية، وقال إنه عندما عمل في وزارة الثقافة أنشأ إدارة عامة للرواية الوطنية، لأن الحرب الحقيقية على فلسطين هي حرب على الرواية، على السردية "لكننا نعرف كيف يحب العالم إسرائيل، قال محمود درويش لصحفية إسرائيلية ذات يوم: نحن أكثر الناس حظا أنكم أعدائنا.. ينظر العالم إليكم فيرانا. ولكننا أسوأ الناس حظا في هذه الحرب لأن أحدا لا يستطيع أن يقول لكم لا".


المدن



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top