تطوران أسهما، بشكل فعّال، في ارتفاع حدّة الإحتجاجات ضدّ النّازحين السّوريين في لبنان، برغم أنّ هذه الإحتجاجات لم تهدأ بشكل كامل في الفترات السّابقة، ما جعل جميع الأضواء من قبل البعض تُسلّط على هذا الموضوع أكثر من سواه، برغم غرق لبنان في أزمات وقضايا شائكة لم تجد لها حلًاً، منذ الإنهيار المالي والإقتصادي والمعيشي حينما اندلعت شرارة حَرَاك 17 تشرين الأوّل من العام 2019.
التطوّر الأول تمثل في اغتيال منسّق القوات اللبنانية في منطقة جبيل باسكال سليمان في 8 نيسان الماضي على أيدي نازحين سوريين، لأسباب تقول التحقيقات بأنّها عائدة لخلافات شخصية، ما رفع من حدّة الخطاب السّياسي ضدّ هؤلاء النّازحين، وشنّ حملة تحريض واسعة عليهم من قبل القوات اللبنانية وجمهورهم وحلفائهم، والدعوة لإعادتهم إلى بلدهم بأسرع وقت وأيّ شكل من الأشكال، وهو تطوّر أعقبه قيام محافظين وبلديات بإبعاد نازحين سوريين يقيمون في مناطق لبنانية بطريقة غير شرعية، ولكن ليس إلى سوريا بل إلى منطقة لبنانية أخرى.
أمّا التطوّر الثاني الذي أحدث سجالاً داخلياً لن ينتهي قريباً، فتمثل في إعلان الإتحاد الأوروبي، في 2 أيّار الجاري، عن تقديم حزمة مساعدات مالية إلى لبنان قيمتها مليار يورو، بهدف مساعدته في تحمّل أعباء النّازحين السّوريين المقيمين على أرضه، وهي مساعدات إعتبرها البعض “رشوة” ستؤدي إلى بقاء النّازحين في لبنان وليس إعادتهم إلى بلدهم كما يطالبون.
هذا السجال شهدت السّاعات الأربع والعشرين الماضية إرتفاعاً في نسقه، وارتفاعاً مماثلاً في اعتراض قوى سياسية على وجود أكثر من مليوني نازح سوري في لبنان، تبيّن بأنّه مجرد صراخ ليس أكثر، وينطلق من حسابات سياسية داخلية، ومن خلفيات طائفية ومذهبية، من غير أن يطرح هؤلاء وغيرهم أيّ خطة عملية للتعاطي جديّاً مع أزمة النّازحين أو رؤية واقعية لها.
فوزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسّام مولوي صرّح أمس أنّه “ستسمعون قريباً بقافلة عودة طوعية للنّازحين السّوريين إلى بلدهم نعمل عليها”، قبل أن يتبعه زميله في الحكومة وزير المهجرين عصام شرف الدين بتصريح أوضح فيه أنّ “الثلاثاء المقبل عند السادسة صباحاً تنطلق أول قافلة سوريين إلى بلدهم وتقلّ ألفي سوري”، ما استدعى توضيحاً من قبل الأمن العام، عبر مصادره، بأنّ “قوافل عودة النازحين إلى سوريا هي بين 200 إلى 300 نازح، أمّا الكلام عن 2000 نازح فهو غير صحيح”، لافتةً إلى أنّ “النّازحين سيعودون مع مواشيهم إلى سوريا”.
هذا السّجال ترافق أيضاً مع مشهدين: الأوّل إستضافة بكركي طاولة مستديرة بشأن ملف النّازحين السّوريين، يشارك فيها أعضاء اللجان الإستشارية القانونية والدستورية في الصرح البطريركي، ودُعي إليها الوزراء المعنيون بالملف، ما جعل هذه المشكلة تبدو وكأنّها تعني مرجعية دينية دون غيرها من المرجعيات الدينية الأخرى، ما أظهر أن هذه المرجعيات لديها وجهة نظر أخرى في التعاطي مع هذه الأزمة لا تتوافق بالضرورة مع وجهة نظر بكركي.
أمّا المشهد الثاني فكان تنظيم التيّار الوطني الحرّ تحرّكاً في الشّارع تمثل في اعتصام مناصرين له أمام مبنى الأسكوا في بيروت للمطالبة بإعادة النّازحين السّوريين، ظهر وكأنّه يتيماً لغياب أحزاب وقوى تتقاطع مع التيّار البرتقالي في موقفها الداعي إلى عودة النّازحين السّوريين لبلدهم، ما أظهر أنّ كلّ طرف يغني على ليلاه في هذا الموضوع، ويريد “صرفه” لمصلحته في الزواريب اللبنانية الداخلية والضيقة.