تستمر المزايدات والشعبوية في ملف النازحين السوريين بشكل بات يدعو الى السخرية من كثرة التصريحات والمواقف البعيدة عن الواقع والهادفة إما الى إثبات حضور وإستمالة الشارع المعارض لبقاء النازحين او الى تصفية حسابات سياسية وأحقاد شخصية.
ليست القضية قضية نزوح بالنسبة للكتلتين المسيحيتين الأساسيتين: لبنان القوي والجمهورية القوية، فالأولى وصلت الى رئاسة الجمهورية واستمرت ست سنوات من دون ان تحرك ساكنا تجاه ملف النازحين، والثانية كانت تقف سدا منيعا ضد كل من يريد إعادة النازحين رافعة شعار: “على دمائنا ما بيرجعوا أو نعود وإياهم عندما يسقط النظام”.. بل القضية الأساسية هي أن الرئيس القبرصي زار لبنان مرتين ورئيسة المفوضية الأوروبية كذلك وتم إستقبالهما من قبل رئيس مجلس النواب الشيعي ورئيس الحكومة السني من دون وجود رئيس الجمهورية الماروني.
كما أن هبة المليار دولار اعلنت عنها رئيسة المفوضية الأوروبية من السراي الحكومي وليس من قصر بعبدا وبحضور الرئيس ميقاتي الذي يتعرض منذ ذلك الوقت لهجوم طائفي أكثر منه سياسي لكونه إجتهد في هذا الملف ونجح في تحريك الاتحاد الأوروبي وإيجاد لوبي دولي يدعم وجهة نظر لبنان في ملف النازحين، ومن المفترض ان يظهر ذلك في مؤتمر بروكسل في ٢٧ الشهر الجاري حيث سيقدم الرئيس ميقاتي عرضا مفصلا حول النزوح وتداعياته وسيؤكد على سيادة لبنان.
من الواضح أن الكتلتين المسيحيتين لا تريدان للحكومة أن تسجل أي إنجاز في ملف النزوح.
لذلك فقد إستفاق التيار الوطني الحر من سبات عميق واتجه الى الشارع بعد سنوات أمضاها في تنظير المكاتب والمهرجانات، كما أن الوزير المعني هيكتور حجار والمحسوب عليه يتشدق بالمواقف التي يفترض به أن يناقشها في مجلس الوزراء الذي يقاطع جلساته مع وزراء برتقاليين إرضاء لرئيس التيار جبران باسيل على حساب البلد، لا أن يناقشها في بكركي أو في أي مكان آخر.
وكعادتها القوات اللبنانية سارعت الى الانقلاب على مواقفها وركوب موجة النزوح كما ركبت في السابق موجة الثورة وبعدها موجة المعارضة، لكن من دون تقديم أي إقتراح أو توصية يمكن أن تخدم هذه القضية ما يجعل كل مواقفها عبارة عن “ذر للرماد في العيون” ومن منطلق طائفي بحت.
وما يثير الاستغراب هو أن التيار الوطني الحر بدأ بجولات على القيادات اللبنانية للبحث في ملف النزوح، وقد بادرت بكركي الى عقد طاولة لمناقشة هذا الملف، كما ترفع القوات اللبنانية الصوت في كل لقاءاتها، في حين ان الحكومة اللبنانية كانت وضعت قبل عام كامل ورقة وطنية متكاملة حول كيفية معالجة أزمة النزوح من ترحيل النازحين الاقتصادي والنازح غير الشرعي والمساجين الذين يشكلون ٣١ بالمئة من عدد نزلاء السجون اللبنانية، الى دراسة أوضاع النازحين الذين ارسلت المفوضية العامة الداتا المتعلقة بهم تمهيدا للعودة الطوعية الآمنة، وضبط موضوع الولادات، ومنع تهريب الاشخاص عبر الحدود، والحرص على حقوق الانسان تجاه من لديه إشكالات امنية وقضائية في سوريا، وبالتالي فإنه كان الأجدى بالقوات والتيار ومعهما بكركي أن يلتفون حول هذه الورقة الحكومية التي تلاقت وتناغمت معها مسودة اللقاء الديمقراطي، وان يكون هناك وحدة وطنية حقيقية حول هذا الملف، بدل ممارسة النكد السياسي والشعبوية الفارغة وتعطيل جهود الحكومة التي قطعت شوطا كبيرا في هذا الاطار خصوصا لجهة فصل هبة المليار يورو عن ملف النزوح..