لم تهدأ السّاحة الداخلية، منذ يوم الجمعة الماضي، عندما أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فونديرلاين التي زارت بيروت برفقة الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس عن تقديم حزمة تقديمات للبنان قيمتها مليار يورو لمساعدته على مواجهة أعباء وجود أكثر من مليوني نازح سوري على أرضه.
حزمة المساعدات هذه لم تجد أيّ موقف سياسي أو إقتصادي يُرحّب بها، باستثناء موقف لرئيس حكومة تصريف نجيب ميقاتي الذي رد مكتبه على حملة “الإفتراءات” التي ساقها عدد من السّياسيين والاعلاميين بعد الإعلان عن تقديم حزمة المساعدات الأوروبية، إلى حدّ جعل البعض يظنّ أنّ هذه الحزمة مرفوضة وستعاد إلى أصحابها من حيث أتت، وبأنّ لدى المعارضين خطط بديلة لمواجهة أعباء النزوح السوري.
غير أنّ أغلب المواقف وردود الفعل على حزمة المليار يورو كانت شعبوية، وتنطلق من حسابات سياسية وطائفية محلية ضيقة، عندما اعتبروا أنّ الحزمة عبارة عن رشوة أوروبية للبنان لا يفترض قبولها، وبأنّها مؤامرة على لبنان من أجل توطين النازحين فيه في مرحلة لاحقة.
الذين رفضوا المنحة الأوروبية لم يطرحوا بديلاً عنها، كما فعلوا سابقاً برفضهم بقاء النازحين السوريين في لبنان، مقترحين حلولاً ومخارج لا تمتّ إلى الواقع بأيّ صلة، ظنّاً منهم أنّ الصراخ وحده يمكن له إنهاء الأزمة، أو أنّ الآخرين في الخارج مهتمين بهم وببلدهم لمعالجة الأزمة إذا بقوا مكتوفي الأيدي لا يتقنون إلّا إطلاق كلام لا طائل منه.
منذ بدء النزوح السّوري إثر اندلاع الأحداث في سوريا عام 2011 إرتفعت دعوات كثيرة تحثّ الحكومات اللبنانية المتعاقبة على التواصل والتعاون والتنسيق مع الحكومة السورية من أجل وضع حدّ لموجات النزوح التي لم تتوقف، إلا أنّ أصواتاً لبنانية، بدعم من جهات إقليمية ودولية، إرتفعت تعارض وترفض أيّ تواصل حكومي رسمي مع الحكومة في سوريا، تحت حجّة أنّ ذلك يمثل إعترافاً بـ”النظام” السوري، ويفتح الباب أمام فرض عقوبات على لبنان، مقدّمين ذرائع لا تركب على قوس قزح.
هذه الإنتقادات الرافضة للمنحة الأوروبية بدت كأنّها موجّهة نحو المكان الخطأ، وأنّ أصحابها لا يريدون إصابة الهدف، كما يتعامون عن رؤية الحقائق كما هي على أرض الواقع.
إذ كيف يمكن إعادة هذا الكمّ الكبير من النّازحين السّوريين إلى بلادهم من غير التواصل والتنسيق مع الحكومة السّورية، ولماذا لا يضغط هؤلاء ويهاجموا الدول والمنظمات الغربية التي تعارض إعادة هؤلاء النازحين وعلى رأسهم الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي والمنظمات الدولية، ولما لا يضغطون على المفوضية العليا لشؤون اللاجئين من أجل دفعها المساعدات المالية للنازحين في بلادهم ما يشجع عودتهم بشكل كبير، وكذلك تقديمها للحكومة الداتا الخاصة بالنازحين الموجودة لديها، ولما لا يطالبون ويضغطون أيضاً لرفع الحصار المفروض على سوريا لتسهيل إعادة الإعمار بما يُسهّل عودة النازحين، بما أنّ للبنان مصلحة مزدوجة في عودة النّازحين وفي إطلاق ورشة الإعمار معاً؟