فرضت زيارة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فونديرلاين والرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس إلى لبنان، أمس، نفسها على المشهد السياسي العام في لبنان، خصوصاً بعدما أعلنت فونديرلاين خلال الزيارة عن تقديم حزمة مساعدات مالية للبنان مقدارها مليار يورو، تمتد لفترة زمنية مقدارها 4 سنوات، لمواجهة تداعيات وجود النّازحين السّوريين على أرضه.
حزمة المساعدات الأوروبي.ة هذه غير المسبوقة منذ بدء النّزوح السوري إلى لبنان في العام 2011 مع بداية الأحداث في سوريا، كانت مفاجئة لأنّها تعدّ المساعدة الأكبر التي يقدّمها الإتحاد الأوروبي للبنان، برغم أنّها ليست كافية من أجل مواجهة أعباء النزوح وتداعياته، وسط تساؤلات عن هذا “الكرم” الذي أظهره الإتحاد الأوروبي فجأة تجاه لبنان بعد سنوات من تجاهل دعوات مساعدته، ومن تقديم مساعدات بالقطارة، فضلاً عن تساؤلات عن الغاية من تقديم الإتحاد الاوروبي هذه المساعدات في هذا التوقيت، ولأية أهداف وغايات؟
لا أجوبة بعد على هذه الأسئلة وغيرها، ولكن زيارة رئيسة المفوضية الأوروبية برفقة الرئيس القبرصي إستوقفت المراقبين لأكثر من نقطة، أبرزها ما يلي:
أولاً: جاءت حزمة المساعدات الأوروبية هذه في أوّج حملة سياسية وشعبية وإعلامية يقودها البعض في لبنان ضدّ النازحين السوريين، واعتبارهم سبب كلّ البلاء والأزمات فيه، وذهب بعضهم إلى حدّ الطلب بإعادة هولاء النازحين ولو بالقوة إلى بلدهم، وكانوا يعولون على تفهّم أكبر أوروبي ودولي لمطلبهم، فجاءت حزمة المساعدات لتشكل نكسة كبيرة لهم، وتجعلهم يلمسون لمس اليد أنّ مطالبهم وهواجسهم في وادٍ، واهتمام الإتحاد الاوروبي والمجتمع الدولي ورؤيتهم حيال أزمة النازحين في وادٍ آخر.
ثانياً: مبلغ المليار يورو الذي سيُقدمه الإتحاد الأوروبي للبنان سيُدفع على فترة زمنية تمتد لأربع سنوات، وهو مبلغ يأتي في زمن شحّ مالي وأزمة إقتصادية خانقة لم يعرفها لبنان في تاريخه، ما أثار تساؤلات وهواجس حول ما إذا كان المبلغ هو بهدف مساعدة لبنان على مواجهة أزمة النازحين، أم لعدم إثارة أزمتهم مجدّداً، أقله في فترة السنوات الأربع المقبلة؟
ثالثا: لمس مراقبون أنّ الإتحاد الأوروبي يخشى فعلياً من موجة نزوح كبيرة من لبنان نحو دوله عبر البحر، إذا ما تدهور الوضع الأمني فيه في ضوء تهديدات إسرائيل بشنّ حرب واسعة عليه، وهو ما يفسر زيارة الرئيس القبرصي لبنان مرتين في غضون أيّام قليلة، فرأى الإتحاد الأوروبي بأن أفضل وسيلة لمواجهة هذا الإحتمال هو دعم لبنان مالياً كبلد مضيف لهم من أجل إبقائهم فيه، لأن الدول المركزية في الإتحاد، مثل ألمانيا وفرنسا تحديداً، ترفض إعادة النازحين السوريين إلى بلدهم، ودفع المساعدات المالية لهم هناك.
رابعاً: بما أنّ مبلغ المليار يورو هذا مخصص جزء كبير منه للبنان، مثل دعم الجيش اللبناني والمؤسسات الأمنية والمجتمعات المضيفة للنازحين، فهل يعني ذلك أنّ المناطق التي يوجد فيها أكبر عدد من هؤلاء النازحين، طرابلس والشمال تحديداً، بعد فرار قسم كبير منهم مؤخراً من مناطق لبنانية معينة بعد حملة واسعة طالتهم إثر اغتيال مسؤول القوات اللبنانية في منطقة جبيل باسكال سليمان على أيدي نازحين سوريين، سوف تنال الجزء الأكبر من هذه المساعدات، أم أن الفساد والهدر والمحسوبيات والمحاصصات ستجعل هذا المبلغ يذهب، كالعادة، في غير وجهته الصحيحة؟