بعد مرور أكثر من 13 عاماً على الأزمة السّورية، وانعكاسها على لبنان من خلال أزمة النّازحين السّوريين فيه، الذين تشير التقديرات أنّهم يناهزون مليوني نازح، بدأت بعض الأصوات الواقعية ترتفع مؤخّراً لتشير إلى معالم الحلّ لهذه الأزمة، بعد سنوات من المواقف التصعيدية والشّعبوية التي تستند إلى حسابات سياسية وطائفية ضيقة كان أطلقها أغلب القيادات السّياسية اللبنانية المعارضة لسوريا.
طيلة تلك السّنوات كان المعارضون لسوريا في لبنان يرفضون أيّ تواصل مع الحكومة في دمشق لمعالجة المشاكل العالقة بين البلدين، سياسياً وأمنياً وإقتصادياً، إضافة إلى أزمة النّازحين التي تفاقمت على نحو تدريجي، لا بل إنّ بعضهم قد أعلن رفضه عودة هؤلاء النازحين إلى بلادهم لأسباب إدّعوا أنّها أمنية، قبل أن ينقلبوا على مواقفهم من هؤلاء النّازحين ويدعون إلى التخلّص منهم وعودتهم بأيّ وسيلة، حتى لو بالقوّة.
نصائح ودعوات كثيرة وُجّهت إلى معارضي سوريا في لبنان، خلال تلك الفترة، من أجل التوقّف عن السير في سياسات ستنقلب عليهم وعلى بلدهم سلباً، والإقتناع بأنّ ما يجري في سوريا هي حرب كونية عليها تهدف إلى تدميرها، وأنّ لا مصلحة لهم ولا للبنان بالتورّط في النزاع الدائر في سوريا، وأنّ هناك إتفاقيات وعلاقات مميزة بين البلدين أقرها إتفاق الطائف، وهناك معاهدات ناجزة بين الطرفين من شأن الإستناد إليها أن يُوفّر على لبنان الكثير من المصاعب، لكن هذه النصائح والدعوات لم تجد إلّا آذاناً صمّاء عند هؤلاء المعارضين.
تباعاً بدأت تداعيات أزمة النّازحين السّوريين في لبنان تكبر، واستوعب المعارضون أنّه لا يمكن معالجة أزمتهم كما يطرحون، وبأنّه لا مفرّ أبداً من التواصل مع الحكومة السّورية إذا أرادوا لهذه الأزمة أن توضع على سكّة الحل، والتعاون بواقعية بين كلا البلدين لهذه الغاية، والإدراك أنّ هناك أطرافاً دوليين لا يرغبون بمعالجة هذه الأزمة، لا يقتصرون على الولايات المتحدة ودول أوروبية وعربية، بل أيضاً على مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، التي ما تزال ترفض حتى الآن تسليم “داتا” النّازحين السّوريين لديها إلى الدولة اللبنانية، وأنّ آخر ما قامت به بعد سنوات من المماطلة هو تسليم قائمة بأسماء هؤلاء فقط، من غير الإشارة إلى المنطقة التي نزحوا منها من سوريا، ولا أيّ سنة دخلوا إلى لبنان، ولا أسباب نزوحهم الفعلية، ولا أين يقيمون في لبنان، ولا ماذا يعملون فيه، ولا من أين يتلقون المساعدات لبقائهم فيه.
يوم أمس خرج الرئيس السّابق للحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط ليبدي موقفاً في هذا الصدد، بدا وكأنّه مراجعة منه لمواقفه السّابقة من أزمة النّازحين ومن العلاقة مع سوريا، راسماً ما يشبه خارطة طريق وحلّ لهذه الأزمة، عندما قال إنّه “نحن بحاجة إلى إيجاد الحلّ الأنسب لهذه المشكلة”، وأنّه “لا مفرّ من مناقشة الحكومة لهذا الملف مع النظام السوري، وإذا كان هناك أحزاب لديها موقف معادي تجاه النظام السوري، ومنهم الحزب التقدمي الإشتراكي، لكن من المستحيل أن ننكر أن سوريا موجودة”.
وأضاف: “هناك إعتبارات جغرافية تتعلق بعودة اللاجئين الذين يجب تقسيمهم إلى فئات عدّة، إذ هناك الذين ليسوا لاجئين ويعملون في لبنان منذ زمن، وهناك منهم الميسورون مادياً، وهناك اللاجئون السياسيون، كما هناك النازحون الذين جاءوا إلى لبنان بعد الدمار الهائل في سوريا”.
فهل يكون موقف جنبلاط مقدمة لمراجعة القوى المعارضة لسوريا موقفها من قضية النّازحين ومن العلاقة مع سوريا والتعاطي بواقعية مع هذه الأزمة، والنزول عن شجرة مواقفهم التي تورّطوا فيها وورّطوا معهم لبنان فيها؟ الأيّام المقبلة يفترض أن تحمل إجابات واضحة في هذا الصدد.