هي فيحاء لبنان وعاصمته الثانية تستعد لاعلانها عاصمة للثقافة العربية للعام ٢٠٢٤، علّها تستعيد بعضاً من مجد وألقٍ خطفتهما منها المناوشات السياسية والحروب العبثية يوم ألبستها ثوب تشدد وإرهاب ليس لها.
بالتزامن مع الذكرى الرابعة والعشرين لتحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي، أي في ٢٥ أيار المقبل، ستشهد المدينة اطلاق الفعالية رسميا، الامر الذي لا يمكن ان يكون محض صدفة اذ طرابلس كانت السباقة في تقديم الدعم والمؤازرة لتحرير الأرض.
تجدر الإشارة، الى ان المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) التابعة لجامعة الدول العربية قد اتخذت قراراً في العام ٢٠١٥ بإعلان طرابلس عاصمة للثقافة العربية لسنة ٢٠٢١، بيد ان تداعيات انفجار مرفأ بيروت وجائحة كورونا حتّما تأجيل الفعالية الى العام ٢٠٢٣، لتعيد الظروف الاقتصادية تأجيلها حتى السنة الحالية.
هي فسحة امل جاءت لتضيء الظلمة المحيطة باللبنانيين منذ سنين، فكل زائر لطرابلس يدرك ما ان تطأ قدماه ارض المدينة انه في حضرة تاريخ عريق من العمارة الهندسية والفنون والثقافة والعيش المشترك، ولا يمكن الا ان يتحسر عندها على الإهمال اللاحق بها وبآثارها.
فحتى يومنا هذا، عاصرت المدينة ثمانية عهود هي: الفينيقي، الاغريقي، الروماني، البيزنطي، الفاطمي، الصليبي المملوكي والعثماني. كلها ساهمت في تطور المدينة بشكل او بآخر حتى باتت تحتوي على ما يفوق ثلاثمئة وستين معلماً اثرياً، تتوزع بين مساجد وكنائس ومدارس وساحات وأسواق وقلاع، نذكر بعضها على سبيل المثال:
الجوامع: الجامع المنصوري الكبير، جامع العطار، جامع البرطاسي، جامع الأويسية، جامع التوبة، جامع طينال، جامع سيدي عبد الواحد المكناسي، مسجد البهاء، جامع شرف الدين، جامع الحميدي، مسجد الحُجَيْجيّة، جامع أرغون شاه، جامع الطحام ، جامع المعلق.
الكنائس: كنيسة مار نقولا للروم الأرثوذكس التي عُرفت بكنيسة السبعة، كنيسة مار جاورجيوس للروم الأرثوذكس، كنيسة مار ميخائيل للموارنة تقابلها كنيسة صغيرة للاتين مُلحَقة بمدرسة الطليان، كنيسة مار يوسف للسُريان الكاثوليك.
الأسواق: سوق النحاسين، سوق الصياغين، سوق البازركان، سوق حراج، سوق الكندرجية، وسوق العطارين.
الخانات: خان الخياطين، خان العسكر، خان الصابون، خان المصريين.
كل هذه المعالم وسواها مما لم نعدد جعلت طرابلس محجة لكل مثقف ورحّالة ومستكشف محب للتاريخ والجغرافيا، وجعلت منها عاصمة للثقافة العربية.
هي ثلاثة آلاف سنة او اكثر مرت مذ انشأ الفينيقيون طرابلس، المدينة الساحرة التي تستوطن شاطئ المتوسط حتى باتت عابرة له الى مختلف اقطار العالم. رغم الإهمال والالم اللذان عانتهما، ها هي اليوم تنفض غبار الظلم عنها لتري العالم وجهها الحقيقي “طرابلس الثقافة”، مدينة العلم والعلماء، فعساها تكون الخطوة الأولى في إعادة فيحاء الشمال ولبنان الى سابق عهدها.