إثر اغتيال مسؤول حزب القوات اللبنانية في قضاء جبيل باسكال سليمان، الأسبوع الماضي، على أيدي عصابة لسرقة السيارات من النازحين السوريين، قامت الدنيا ولم تقعد في جبيل والأقضية المجاورة لها في المنطقة التي كانت تعرف أيّام الحرب الأهلية بالمنطقة الشرقية، وما رافق ذلك وأعقبه من قطع الطريق الدولي في المنطقة، وارتفاع حدّة الخطاب العنصري والتحريضي على النّازحين السّوريين، والإعتداء على البعض منهم، ودعوات إلى إخراجهم من تلك المنطقة ومنعهم من الإقامة فيها.
في السّاعات التي تلت نشر خبر إغتيال سليمان وصولاً إلى تشييع جثمانه، بعد بضعة أيّام، خرجت شياطين التحريض السّياسي والطائفي والمذهبي دفعة واحدة من أوكارها، من اعتبار النازحين السوريين “كارثة” يفترض التخلص منهم مهما كلّف الأمر، وكان لافتاً إقتراح لبعض أصحاب الرؤوس الحامية طرد مليوني نازح سوري عبر نقلهم بالقوة إلى الحدود اللبنانية ـ السورية، ومنعهم من العودة إلى لبنان، ومن كان أقلّ حدّة دعا إلى طردهم من “مناطق” لبنانية معينة إلى مناطق لبنانية أخرى، لأنهم لا ينسجموا إجتماعياً وطائفياً مع هذه “المناطق” ومع سكانها.
كثير من النّازحين السّوريين المقيمين في تلك المناطق لم ينتظروا طردهم بالقوة من تلك المناطق أو تعرّضهم لاعتداء من موتورين، أو أن يكونوا ضحية حملة التحريض التي شنّت ضدهم، وهو ما تعرّض له بعضهم في عدد من المناطق، حيث تعرضوا للضرب وتكسير سيّاراتهم ومحالهم التجارية وبسطاتهم، إذ سارع كثير منهم إلى الخروج من تلك المناطق خشية تعرضهم لاعتداءات في حفلة الجنون تلك، من غير أن تجدي نفعاً الدعوات الخجولة التي نادى بها البعض في عدم التعرّض للنازحين السوريين، وعدم تحميل الكلّ مسؤولية جريمة إقترفها أفراد شكلوا عصابة سرقة.
وسط حملة التحريض والجنون هذه في وجه النازحين السوريين، خرجت أصوات رأت أن هؤلاء النازحين الذي هربوا من تلك المناطق بعد الجريمة، أو الذين طُردوا منها، لن يمرّ وقت طويل حتى يعود أغلبهم إليها، لأسباب متعلقة بالحاجة الإقتصادية الماسة لهم في تلك المناطق، ذلك أنّ قطاعات عديدة فيها من الزراعة إلى البناء على وجه التحديد، إضافة إلى قطاعات وخدمات أخرى يقدمها النازحون السوريون في تلك المناطق، نظراً لأنهم أيدي ماهرة ويمارسون أعمالاً لا تجد لبنانيين يمارسونها، ومن شأن إخلاء هذه المناطق منهم تعرض أغلب هذه القطاعات لانهيارات واسعة وجمود على مختلف الصعد.
عودة هؤلاء النّازحين إلى تلك المناطق لن تكون نتيجة مراجعة قامت بها القوات اللبنانية والأحزاب الحليفة لها والتي تضامنت معها بعد الجريمة، مثل حزبي الكتائب والوطنيين الأحرار إلى جانب التيار الوطني الحر، بل لأن أصحاب المصالح والمؤسسات في مختلف القطاعات الإقتصادية في تلك المناطق سيجدون أنفسهم أمام أمر واقع وبين خيارين هما: إما إعادة هؤلاء النازحين إلى مناطقهم، خلسة أو علناً، لإنقاذ أنفسهم من الإنهيار قبل إقفال هذه المؤسّسات أبوابها، أو ارتفاع أكلافها التشغيلية بشكل لا يقوى أغلب سكان تلك المناطق على تحمّل عبئها.