عندما بدأت الأحداث في سوريا في ربيع العام 2011، وبدأ عشرات ومئات وآلاف النّازحين السّوريين يتدفقون إلى لبنان هرباً من الحرب الدائرة هناك، وبحثاً عن ملاذٍ آمن يؤمّن لهم إقامة مؤقّتة إلى حين عودتهم لبلادهم، كان حزب القوّات اللبنانية وحلفائه في فريق 14 آذار على رأس المرحّبين بقدوم هؤلاء النّازحين إلى لبنان، واستقبالهم في مناطق نفوذهم السّياسي والشعبي.
من تسعفه الذاكرة أو يمكنه العودة إلى الإرشيف يمكنه ببساطة الإطلاع على مواقف وصور شخصيات وقيادات في القوّات وفريق 14 آذار يستقبلون النّازحين السّوريين على الحدود (الشّرعية وغير الشّرعية) بكلّ ترحاب، ويبدون لهم تأييدهم ودعمهم لهم، وإيهام أنفسهم والنّازحين أنّ النظام في سوريا على وشك السّقوط، إلى حدّ ضاع معه البعض منهم في “سكرة” إحتمال سقوط النظام ودفعهم للقول: “أيّامٌ ونعود معكم إلى سوريا بعد أن يكون النّظام هناك قد سقط!”.
خلال تلك الفترة، وبشكل أكبر لاحقاً، خرجت أصوات كثيرة تُحذّر القوّات وحلفائها في فريق 14 آذار من مغبة اللعب بنار إسقاط النظام في سوريا، لأنّ النظام هناك لن يسقط وإنْ مرّ بمرحلة ضعف، كما أنّ الفريق المناوىء لسوريا في لبنان أصغر من أن يكون له دور، ولو صغير وهامشي، في لعبة الأمم للمشاركة في إسقاط النظام في سوريا أو أيّ نظام آخر.
التحذيرات من تدفّق النّازحين السّوريين إلى لبنان ذهبت أبعد من ذلك، لأنّ الأوضاع العامّة في البلاد إقتصادياً وإجتماعيا، وبناه التحتية، لا تستطيع تحمّل هذا العبء، كما أنّ الوضع الأمني الهشّ من شأنه أن يؤدي إلى عدم إستقرار أمني في البلاد عند أوّل هزّة أمنية، خصوصاً إذا ما تورّط أو جرى توريط النّازحين في ذلك، وهو أمرٌ دونه محاذير بالغة الخطورة على مصير البلد ومستقبله.
في السّنوات التالية، وبعدما إستطاعت الحكومة السّورية إستعادة مساحات واسعة من البلاد من سيطرة الفصائل المسلحة، بمساعدة حلفاء، برزت في لبنان دعوات لإعادة النّازحين السوريين إلى بلادهم، خصوصاً المناطق الآمنة منها، لكنّ هذه الدعوات جوبهت برفض شديد من القوات وحلفائها، وهو ما عبّرت عنه الوزيرة السابقة مي شدياق التي قالت في تصريح شهير لها أنّه “لن تتم عودة اللاجئين السوريين ولو على دمائنا”، وما قاله النائب القواتي السابق أنطوان زهرا بأنّ “محاولة الإيحاء أنّ نزوح السّوريين يشبه لجوء الفلسطينيين ويُهدّد الإستقرار اللبناني هو احتيال على الواقع للتهرّب من مساعدة هؤلاء”، من غير نسيان الخطاب الشهير الذي ألقاه رئيس القوات سمير ججعج، بإحدى مناسبات ذكرى 14 آذار، وعبر فيه عن تضامنه مع السّوريين في مختلف مناطقهم التي أتى على ذكرها في خطابه.
لكنّ هذا الغرام بالنّازحين السّوريين السّوريين سرعان ما تحوّل إلى تذمّر وتأفف من وجودهم في لبنان وتداعياته، وإلى موجة كراهية وتحريض ضدهم، ورغبة واضحة في الإنتقام منهم بعد اغتيال مسؤول جبيل في القوات باسكال سليمان، قبل أيّام، على أيدي عصابة من السّوريين كانت تقوم بسرقة سيارات في المنطقة.
خطاب الكراهية الذي شنّته القوات وبعض حلفائها في فريق 14 آذار ضد النّازحين السّوريين، بعد الحادثة، أدّى إلى انقسام عمودي جديد في البلاد من قضيتهم: فريق يرى في النازح السوري عدواً يجب طرده من هذه المنطقة أو تلك وإعادته إلى بلاده ولو بالقوة، وفريق عبّر عن تضامنه مع النازحين السوريين ورفضهم ما تعرضوا ويتعرضون له، ما جعل القضية تأخذ أبعاداً سياسية وطائفية ومذهبية خطيرة تنذر بالأسوأ، وتدق ناقوس الخطر إذا ما خرج الوضع عن السيطرة.