يحيي المسلمون والأحرار في العالم يوم القدس العالمي هذا العام تحت شعار “طوفان الأحرار”.. طوفان تراكم قطرة قطرة من دماء شهداء فلسطين ولبنان وكل العالم العربي، متوجًا حصاد عشرات الأعوام من المقاومة والانتصارات والتحرير..، فطوفان الأحرار الذي تحول الى سّنة سنوية تهب الأمة لإحيائه في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك، أطلقه الامام الخميني من ايران يوم السابع من أب عام 1979، عقب تحويل السفارة “الإسرائيلية” في طهران الى سفارة فلسطين، جرى افتتاحها في 19 شباط من نفس العام بمراسم رسمية حضرها رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، الذي زار طهران على رأس وفد لهذه الغاية.
تزامنت إنطلاقة يوم القدس العالمي مع مرحلة تاريخية مفصلية ومصيرية، فهي أتت بعد سنتين فقط من زيارة الرئيس المصري الراحل أنور السادات الى “تل أبيب” وإلقائه خطابًا أمام “الكنيست” “الاسرائيلي” في 19 نوفمبر 1977، كما جاءت عقب أشهر قليلة من توقيع مصر اتفاق “كامب ديفيد” للسلام مع “اسرائيل”. وبذلك جاء اطلاق هذا اليوم (يوم القدس) في مسار مناقض تمامًا لمسار الصلح مع اسرائيل، وقد استهدف إبقاء قضية فلسطين حية في الأمة، واستعادة النفس الثوري لدى الجماهير والشعوب العربية والاسلامية ودب روح الحماسة فيها بعيدًا عن شراذم وأوهام السلام والاستسلام، لتتجلى ثمرة ذلك سريعًا عبر تفعيل خيار المقاومة كمسار طبيعي للنصر والتحرير، وهو ما قطّع كل طرق واتوسترادات التفاوض مع “اسرائيل”، ووضع حدًا لأي تنازل عربي او فلسطيني عن شبر من فلسطين، وحدودها من النهر الى البحر.
وُضع العرب والمسلمون وخصوصًا الشعب الفلسطيني في تلك المرحلة، بين مسارين: مسار الاستسلام، ومسار المقاومة الذي سرعان ما أزهر في لبنان تحريرًا للعاصمة بيروت بعد احتلالها من الجيش “الاسرائيلي” عام 1982، ليثمر في فلسطين انتفاضة الشعب الفلسطيني الاولى عام 1987، ويتوالى بعد ذلك حصاد المسار المقاوم انتصارات متراكمة بتحرير الجنوب والبقاع الغربي في أيار عام 2000 حيث كان التجلي الاول لوهن “بيت العنكبوت الاسرائيلي”، تبع ذلك بعد أشهر قليلة اشتعال انتفاضة الاقصى وخروج الفلسطينيين بصدورهم العارية لمقارعة وقهر أعتى جيوش المنطقة. تلا ذلك تحرير غزة عام 2005 من رجس الاحتلال، ومن ثم انتصار المقاومة اللبنانية التاريخي والالهي في حرب تموز 2006، الذي فضح مجددًا هشاشة ووهن الاحتلال.
وتتالت بعد ذلك، صولات وجولات المقاومة الفلسطينية في غزة حتى بلغت رغم حصار القطاع ست جولات متتالية منذ عام 2008، حتى يوم السابع من اوكتوبر 2023، بدا معها أن الجيش “الاسرائيلي” تقهقر وبدأ يتقوقع خلف جدران ويختبئ في مواقعه كالفئران، ما عزز آمال الفلسطينيين الساعين لاستعادة حقوقهم، وانتزاعها من فم التنين، حتى كان الموعد مع “طوفان الاقصى” في السابع من اوكتوبر، فأغرق قادة الاحتلال في بحر عجزهم وتخبطهم بعدما أعطبت المقاومة الفلسطينية كل طاقات جيشهم وقدراته الامنية والعسكرية وحتى السياسية، كاشفة مرة جديدة أيضًا عن مدى وهن هذا الكيان، وحجم الفشل والعجز الذي يمكن للمقاومة أن تلحقه به.
هكذا كانت بداية الانطلاقة ليوم القدس نحو العالمية، وهكذا وضع هذا اليوم الذي أضحى إحياؤه سنة سنوية الحجر الاساس لما تشهده الامة من انتصارات أذهبت رجس الهزائم عنها، لينطلق يوم القدس بتظاهرات ومسيرات هنا وهناك، كانت تكبر سنة بعد سنة حتى طافت في ارجاء العالم طوفان أحرار مناصر لغزة ومساند لاهلها.. طوفان استحال سيلاً جارفًا يضع الكيان في مأزق وجودي بعدما بات حلم زوال “اسرائيل” واقعًا قيد التحقق قاب قوسين أو أدنى، وذلك مصداقًا لقول كهل كبير في السن عارف بزمانه ومكانه وعصره في يوم من الايام: “لو حمل كل واحد منّا دلواً من الماء ورماه على فلسطين المحتلة لزالت “إسرائيل” من الوجود”.