للشهر السّادس على التوالي لم يقبض موظفو وعمّال إتحاد بلديات الفيحاء رواتبهم، ولا متأخرات ومستحقات سابقة لهم في ذمّة الإتحاد، ولا متمّمات هذه الرواتب من ضمان صحي ومنح تعليم ومساعدات وسواها، ما شلّ عمل أجهزة الإتحاد بالكامل، وخصوصاً عمّال جمع النّفايات وجهاز فوج الإطفاء، فأدّى ذلك، تدريجياً، إلى تراكم أكوام النّفايات في شوارع وأزقة المدينة، وإلى توقف عناصر فوج الإطفاء عن تلبية أيّ نداء إستغاثة إلّا نادراً.
هذه الأزمة التي يعاني منها إتحاد بلديات العاصمة الثانية ليست وليدة الأشهر الستة الماضية، فطوال السّنوات الأربع الماضية عانى الإتحاد من أزمة مالية كبيرة جعلته عاجزاً عن دفع رواتب الموظفين والعمّال، وعن القيام بالمهام المطلوبة منه، ما كان يدفع هؤلاء في كلّ مناسبة إلى تنفيذ إعتصامات إحتجاجاً على عدم قبضهم رواتبهم، إضافة إلى توقفهم عن العمل، مثلما فعلوا يوم أمس، حيث أضافوا إليه إعتصامهم أمام منزل وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي، في شارع المئتين بطرابلس، طالبين منه التدخّل لإنهاء معاناتهم.
هذه الأزمة تعود إلى أواخر العام 2019 عندما انتخب رئيس بلدية الميناء السّابق عبد القادر علم الدين رئيساً للإتحاد، نتيجة الأزمة التي عانت منها بلدية طرابلس حينها، ما أدّى إلى انتقال رئاسة الإتحاد التي كانت عرفاً تؤول، منذ نشأة الإتحاد أوائل ثمانينات القرن الماضي، إلى بلدية طرابلس، كونها الأكبر من بين البلديات الأربع المنضوية في الإتحاد (طرابلس والميناء والبدّاوي والقلمون)، وترفد صندوق الإتحاد بنحو 70 بالمئة من ميزانيته.
لكنّ إنتخاب رئيس بلدية الميناء للمرّة الأولى رئيساً للإتحاد، حيث كان عُرفاً يتولى رئيسها منصب نائب رئيس الإتحاد، لم يجعل الأزمة تقف عند هذا الحدّ، ذلك أنّ انفراط عقد بلدية الميناء واستقالتها جعل رئاسة الإتحاد تنتقل إلى رئيس بلدية البداوي حسن غمراوي الذي انتخب نائباً لعلم الدين، ما دفع رئيس بلدية طرابلس رياض يمق، حينها، الى أن يحتج على هذا التطوّر غير المسبوق في تاريخ الإتحاد، ويعلن إنسحاب بلديته من إتحاد بلديات الفيحاء، وتوقفه عن دفع المستحقات المالية المتوجبة على البلدية لصندوق الإتحاد قبل عودة رئاسة الإتحاد إلى بلدية طرابلس، ما أوقع الإتحاد في عجز مالي منذ ذلك الحين.
ومع أنّ هذا الخلاف غاب عن السّمع في الأشهر الأخيرة نتيجة الأزمة التي عانت منها بلدية طرابلس، ولأسباب ودوافع أخرى، فإنّ الوضع المعيشي الصّعب لموظفي الإتحاد وعمّاله في شهر رمضان وقبل أيام من حلول عيد الفطر السعيد، دفعهم للتحرّك ميدانياً والضغط، علّهم يصلون إلى حلّ مقبول لأزمتهم، بعيداً عن التجاذبات السّياسية والسّجال بين رؤساء البلديات المعنية التي أوصلت الأزمة إلى هذا المنحدر.
لكنّ بادرة أمل لاحت في نهاية المطاف عندما دعا رئيس بلدية طرابلس رياض يمق أعضاء المجلس البلدي إلى جلسة ستعقد في 2 نيسان المقبل لمناقشة الموضوع، وفتح الإعتمادات المالية لذلك، بعد لقائه وفداً من عناصر فوج الإطفاء وموظفي الإتحاد، إلّا أنّ الخوف من أن تؤدّي خلافات اللحظات الأخيرة إلى عرقلة الحلّ، تستدعي من كلّ المعنيين، وعلى رأسهم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ومولوي ونوّاب المدينة، التدخل لحلّ الأزمة، وعدم جعل موظفي الإتحاد يتحوّلون إلى “كبش محرقة” في أزمة لا ناقة لهم فيها ولا جمل.