كما ذكرتْ هذه الزاوية قبل يومين، اشتدّت العدوانية الإسرائيلية بعد قرار مجلس الأمن الذي زاد من شراسة الكيان الإسرائيلي وحكومة الحرب بقيادة بنيامين نتنياهو. الترجمة الميدانية استمرت اليوم الأربعاء، مع الغارات المستمرة والتدمير الممنهج للقرى الحدودية، أما حزب الله فصعّد من استهدافه للمستوطنات في شمال فلسطين المحتلة، ما أدى إلى قتلى في كريات شمونة، وبالتالي توعد قيادات الحرب في إسرائيل بردٍ سريع ومستمر.
لكن الأخطر ليس المواجهة مع العدو. الخطر الحقيقي يكمن في ما يرافق السجال الإنقسامي الداخلي الذي تحول إلى تحريض ممنهج، وخطاب تخويني إقصائي. باتت رميش عنواناً لهذا السجال. هي بكل بساطة تختصر لا هواجس أهلها فحسب، بل هواجس المدنيين اللبنانيين وليس من شريحة طائفية واحدة، من تداعيات توريط لبنان في حرب غزة، ووفق تقديرات غير مناسبة لمصلحة لبنان، طالما أن تحرير فلسطين هو مسؤولية أهلها، وفي أرضهم المحتلة.
ومن هذا المنطلق، رفع أهالي رميش صوتهم. لاقاهم "التيار الوطني الحر" ببيان هيئته السياسية، الذي تعمّد التشديد على ضرورة تفهم هواجس المدنيين، وتحييدهم عن المعارك، وإشراك الجيش في هذه المعادلة.
لكن الحماية وتحييد المدنيين أمر، والخطاب التحريضي أمر آخر. باتت رميش، لا بل كل تداعيات الحرب، محور خطاب انقسامي تحريضي لا يُبقي ولا يذر، وخاصة بين البيئتين المسيحية والشيعية. وبطبيعة الحال، لا تغيب عن ذلك أشباح الطوابير الخارجية التي تريد وتستفيد من هكذا خطاب. والتخوين والحديث عن "عمالة" و"تخوين" مستمرين، لن يحرر الأراضي المحتلة ولن يفيد فلسطين، سوى أنه يزيد من الهواجس، ولا يحقق غرض بعض الموتورين بتوهم السيطرة على لبنان.
في المقابل، سعي بعض القوى التي لم تستفد من دروس الماضي الأليم، باستغلال هواجس محقة، لن يقود إلا إلى العبثية وترسيخ الهوة بين اللبنانيين. وهذا بالضبط ما تريده هذه القوى التي لا تتعلم من الماضي لأنها تعيش على أوهامه، وتزعم لمناصريها أنها قادرة على تكراره.
والأهم، أن يبقى أهل الأرض في أرضهم، بكرامتهم وذاتيتهم، وأيضاً بتفاعل مع محيطهم. ولذلك، شروط من المحيط وخطابه، ومن القوى التي تمثّل هذه القرى والبلدات.
وفي المواقف السياسية، كل المعلومات تشير إلى أن الملف الرئاسي لا يزال في مرحلة "تضييع الوقت". وما المبادرات والتحركات على أهميتها، وعلى صدق بعض نوايا أهلها، إلا ملئاً لهذا الفراغ، في انتظار توضح المشهد الإقليمي، ولا سيما منه مصالح اللاعبين من الترتيبات المقبلة.