عذراً أهل غزة، فأنتم العزة كلها وأنتم العنفوان كله وأنتم الشهامة كلها وأنتم الكرامة كلها.
عذراً أهل غزة، فقد تعلّم الصبر من ثباتكم وتألّم الوجع على وجعكم، وعجز الموت أمام شجاعتكم. ويئس اليأس من صمودكم، واستسلم الإحباط أمام إقدامكم وسقط الفشل أمام تمسككم بالبقاء.
عذراً أهل غزة، فقد تحولت الإبادة الجماعية التي تتعرضون لها الى شراكة جماعية عالمية، يشارك البعض فيها من خلال دعمه، ويشارك البعض الآخر من خلال صمته وتخاذله.
عذراً أهل غزة، فقد تساوى الداعمون للإبادة والساكتون المصابون بعلّتي الوهن والوهم، وأصبحا وجهين لعّلة واحدة.
عذراً أهل غزة، على كل موقف عربي او إسلامي لم يتعدّ عبارات الاستنكار والإدانة، وعلى كل موقف غربي لم يتعدّ عبارات (الشعور بالقلق والأسف) وعلى الزخرفات الانشائية الشنيعة التي يظهر قبحها على وجوههم وألسنتهم.
عذرا أهل غزة، فمعظم قادة الغرب يقّدمون الدعم للاحتلال من أجل الاستمرار في حرب الإبادة، بينما يقدم معظم الزعماء العرب الدمع على حرب الإبادة.
عذراً أهل غزة، فالفرق شاسع بين شديد البأس الذي يقف في وجه الظلم والطغيان، وبين شديد البؤس الذي يكفُّ عن نصرة المظلومين.
عذراً أهل غزة، حيث تركضُ نفوس المتساقطين وراء الفُتات، وترقُد ضمائرهم بين الأموات.
عذراً أهل غزة، فقد تآمروا عليكم وجمعوا لكم، فلم تخشوهم، بل زادوكم اصراراً وعزة وثباتا.
عذراً أهل غزة، فلستم وحدكم من يموت، بل ماتت ضمائر الكثير من قادة العالم وغيرهم، وضمُرت بسبب مواقفهم المخزية والمرتهنة للمصالح القائمة على الجشع والطمع، وبسبب مشاريعهم القائمة على سياسة الهيمنة والتوسع على حساب حياة الإنسان وكرامته وحقوقه وعلى حساب المبادئ الاخلاقية والقيم الانسانية.
عذراً أهل غزة، فحياتكم لا تشبه حياة هؤلاء ولا موتكم يشبه موتهم، فأنتم تعيشون أعزاء وتموتون شهداء وأعزاء، بينما يعيش هؤلاء أذلاء أمام المصلحة، منقادون وراء المادة، خاضعون لمجموعات الضغط متذلِّلون لها. راضخون لإملاءاتها، ضعفاء أمام الإعلام المأجور، جثث هامدة أمام صوت الضمير والاخلاق.
عذراً أهل غزة، لأن اخوانكم الشرفاء في العالم العربي لم يستطيعوا نصرتكم، ربما لأنهم ما زالوا يعيشون صدمة القمع والتنكيل والظلم والتعذيب التي تعرضوا لها في أكبر مجزرة تعرضت لها الشعوب العربية بعد الربيع العربي، شارك في ارتكابها كل من يشارك الآن في حرب الإبادة ضدكم.
عذراً أهل غزة، فأطفالكم عطشى للمياه لأن صناع القرار في العالم عطشى للحياء والضمير، ومتعطشون للدماء والدمار.
عذراً أهل غزة، فأطفالكم يعانون من الجوع بسبب ما يعانيه الأعداء من الخور الأخلاقي الذي دفعهم الى ممارسة سياسة التجويع ضد أهل غزة، وسياسة الترويع ضد أهل الضفة، والتطويع لما تبقى من الزعماء العرب.
عذراً أهل غزة، لأن المتخاذلون لم يفقهوا أن الجائع ليس من فقدَ الماء والطعام وانما الجائع من فقدَ ماء الوجه وطعم الكرامة!
عذراً أهل غزة، فقد رموك بالقذائف والصواريخ بينما رموا أنفسهم في مزابل التاريخ.
عذراً أهل غزة، فقد عرف العالم المعنى الحقيقي لحرية المرأة من خلال المرأة الفلسطينية الحرة العفيفة الشجاعة، التي أصبحت مدرسة في الصبر والثبات والكفاح، حيث تشارك الرجال في كل ميادين النضال، تسلحت بالصبر والثبات وتزينت بالقوة والنخوة.
عذراً أهل غزة، فقد فاءَ الشرفاء في الغرب الى فطرتهم الإنسانية السليمة، بينما الشرُّ – فاءَ وفاق جاهليته الأولى عند بعض بني العرب.
عذراً أهل غزة، فكلما ازداد نتنياهو إجراماً ازداد أزيز الداعمين والمتواطئين، حول ذيله.
عذراً أهل غزة، فكلما ازداد الجيش الاسرائيلي توحشاً ضد المدنيين ازداد الضمير العربي(الرسمي) والضمير العالمي وحشة في قبره.
عذراً أهل غزة، فالكل يشاهد فحيح الأفاعي في مجلس الأمن وفي المحافل الدولية، وهي تخرج رأسها وترفع صوتها رافضة وقف الإبادة الجماعية، دون أن يستطيع أحد وقف سمومها وسلاحها الذي ينهش بأجساد الأطفال.
عذراً أهل غزة، فلم تستطع ستة أشهر من الإبادة الجماعية وعلى الهواء مباشرة من ايقاظ ضمير زعيم أو مسؤول واحد، فشتان بين هؤلاء وبين المعتصم الذي حرّك جيشاً واعلن حرباً من أجل كرامة امرأة، لم تكن اكثر من امرأة واحدة حتى يعلن الحرب من اجلها، ولم تكن بحاجة إلى اكثر من كلمة واحدة ( وامعتصماه ) حتى يزحف الجيش وتستردّ الكرامة.
– عذراً أهل غزة، على سخافة مسرحياتهم وهم يسقطون المساعدات من الجو بينما لا يريدون للمعابر البرية أن تفتح ولا للإبادة أن تتوقف ولا للمساعدات العسكرية أن تنقطع.
عذراً أهل غزة، فقد رأينا صورة نجاشي الحبشة في نجاعة ونجدة جنوب أفريقيا ولم نجده عند بني جلدتنا، فعندما تعرض الصحابة رضوان الله عليهم للظلم والايذاء على يد بني جلدتهم من بني قريش، استقبلهم ملك بأرض الحبشة (في شرق افريقيا) لا يظلم عنده أحد، والآن وعندما تعرض أهل غزة للخذلان من بني جلدتهم ناصرتهم دولة جنوب أفريقيا التي لم تستطع أن ترى الظلم مرة أخرى.
عذراً أهل غزة، فقد تشابه علينا الأمر، لا ندري هل نعيش في غابة أم أن الغابة تعيش فينا؟! فقد استطاع وحوش من بني البشر أن يتحكموا بمصير الشعوب. وحوش لا يعرفون من الإنسانية الا اسمها! وحوش ارتكبوا عشرات المجازر حول العالم بدأ من مجزرة سربرنيتسا في البوسنة الى مجازر الشيشان وسوريا والعراق وميانمار والسودان وأفريقيا ومجازر الربيع العربي وغيرها الكثير، انتهاءً بمجازر غزة التي ترتكب كل يوم.
عذراً أهل غزة، فأنتم أمام عدو فقدَ الضمير والأخلاق، ومتخاذل فقدَ الكرامة والشرف، وجبان فقدَ الرجولة والنخوة.
عذراً أهل غزة، فلم يدرك الجبان والمتخاذل ان من لم يعرف الإقدام ستدوس عليه الأقدام.
وأخيرا وبمناسبة شهر رمضان المبارك، نقول عذراً أهل غزة، عندما نرى صور الموائد الرمضانية الفاخرة وما تحمله من إسراف وترف ومباهاة وعدم مبالاة، دون خجل من أطفال غزة الذين يتضوّرون جوعاً ويموتون عطشاً، في مشهد خالع لثوب الحياء ومتجرد من لباس المروءة وخال من معاني النخوة والحس الانساني. وما علم أصحابها أن الاحتفال وسط المأساة هو مأساة.
عذراً أهل غزة فقد أمحلت الكلمات …
كل عام وأنتم الى الخير والحق والحرية والعدل والنصر أقرب..