2024- 12 - 25   |   بحث في الموقع  
logo انفجار جزء من صاروخ في صور logo غادر ولم يعد.. محمد الحداد مفقود logo ميقاتي زار المطران عوده logo النائب ايهاب مطر : حان الوقت ليبدأ عهد الشجعان والأحرار ليمسكوا بزمام الأمور في هذا الوطن logo الأسد "راعي" الرياضة: من عدنان قصار.. إلى منتخب البراميل logo 2024: نقد الحاجة إلى الانتصارات logo أثر الصورة: الفوتوغرافيا وتاريخ فلسطين المهمش logo طه ناجي : مرة جديدة رجال الدفاع المدني في الصدارة
تحدّيات ومستقبل اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين الصين وإيران في ظل عالم متغيّر: آفاق التأثير 2/2.. بقلم: إيمان درنيقة الكمالي
2024-03-14 07:25:50

ليس اتفاق الصين مع إيران بالأمر الجديد أو  المستجد؛ ففي عام   2004،  وقّعت  الصين  اتفاقية مع إيران شملت عقدين ضخمين لتصدير النفط والغاز وتطوير الحقول النفطية  بقيمة تزيد عن 100 مليار دولار في ياد فاران. كما وقعت الدولتان ، منذ عام 2005، سبع اتفاقيات تنقيب رئيسية في قطاع الطاقة ، تضم جميعها شركات الطاقة الصينية الرائدة المملوكة للدولة كشركات البترول الوطنية الصينية والمؤسسة الصينية الوطنية للنفط البحري .



إلّا أنّ اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين الصين وإيران ( 2021) هي حدث تاريخي ذو أبعادٍ إقليمية وعالمية واسعة يُنذر بتغييرات جذرية في النظام العالمي، و نقطة تحوّل Game Changer في السياسة والعلاقات الدولية.



فما هي تأثيرات هذه الاتفاقية ؟


وهل مكاسب الاتّفاقيّة هي اقتصاديّة فقط، أم أنّ هناك مكاسب خفيّة (جيوسياسيّة وجيواستراتيجيّة) تسعى كل من الصّين وايران إلى تحقيقها؟


وكيف سترد الولايات المتحدة على الاتفاقية؟



للاتفاقية منافع كثيرة لكل من الصّين وإيران.



بالنّسبة لإيران، ستكون الاتفاقية مقدّمة لفك عزلتها الدولية. ستسعى الصين ليس فقط لأن تشتري النفط الخام من إيران فحسب، بل ستشارك ، وبشكل مهمّ من خلال ضخ استثمارات كبيرة في عمليات الإنتاج في المنبع والمصب، وستقدّم أيضًا مساهمات في تطوير حقول النّفط والغاز الرّئيسيّة. و ستجعل الاتفاقية من طهران جزءًا لا يتجزّأ من مبادرة الحزام والطّريق الصّينيّة وتزيد من دور إيران في التّجارة الدّوليّة “الترانزيت”. إضافة إلى ذلك ، ستعمل الاتفاقية على ” انخراط” إيران في التكتلات السياسية و الاقتصادية والعسكرية الإقليمية والدولية كمنظمة شانغهاي و مجموعة البريكس. وستساعد الصين في توسيع القدرة العسكرية الإيرانية من خلال تطوير أسطولها الجوي والبحري والبري، و تأسيس معامل إنتاج أسلحة صينيّة على الأراضي الإيرانيّة. وستشجّع الاتّفاقية، عن طريق العدوى، العديد من الدّول المجاورة على ابرام اتّفاقيّات مع إيران، وزيادة الاستثمار فيها، وتعزز رسالة إيران بالتوجه شرقاً، مع ما يمثله ذلك من إمكانية عقد اتفاقيات من شانها تبديل المشهد الدولي.



ومن جهة ثانية، تؤمّن الاتّفاقيّة للصين كمية من النّقط الإيراني التي تستطيع أن تلبّي قرابة 60% من احتياجاتها النّفطيّة، وتضمن لها الحصول على إمداداتٍ ثابتة من النّفط، والبتروكيماويّات، وبأسعار مخفضة قدّرت بنحو 32% ، وحتَّى تقليل تكاليف شحنها، وإمكانيّة الدّفع المؤجّل، أو الدّفع بالعملة الوطنيّة الصّينيّة، ممّا يساعد على عولمة اليوان الصّيني في المنطقة، ويضع العملة الصّينيّة في إطار المسعى الكبير لكسر هيمنة الدّولار الأمريكي في التّعاملات التّجاريّة، وذلك عن طريق انشاء معاملات Swift، من دون اعتماد الدّولار، وتأسيس منظّمات للشّراكة الاقتصاديّة الماليّة والنّقديّة بالعملة المحليّة، إضافة إلى إمكانية تصدير التكنولوجيا الصينية عبر البوابة الإيرانية، وتزويد إيران بخدمات الجيل الخامس G5 في الاتصالات ، وتقنية “البايدو”  الصّينيّة، و تكنولوجيا مراقبة الخطوط الأرضية والخلوية، وأنواع متقدّمة من الأسلحة الجوية والبرية والبحرية الصينية.



كما ان الاتفاقيّة  تعزّز من مكانة الصين السياسيّة والعسكرية من خلال مرافئ الموانئ المقترح إنشاؤها في إيران، وأهمّها في ميناء جاسك المطلّة على مضيق هرمز مدخل الخليج العربي، الّذي سيعطي الصّين موطئ قدم على مضيق هرمز، فيكون نقطة استراتيجيّة على المياه الّتي يمرّ بها معظم نفط العالم، كما ويشكّل تحدّيًا لنفوذ الولايات المتّحدة في المنطقة إذا نشرت الصّين قوّات عسكريّة شبه دائمة لها في الجزر المحيطة، لحماية المصالح الصّينيّة في إيران. وستسمح الاتّفاقية للصّين بتطبيق سياسة التّطويق والاحتواء (سياسة الأناكوندا) عن طريق بناء مجموعة من الموانئ المعروفة بـ “خيوط اللؤلؤ” على طول المحيط الهندي، وهذه الموانئ التي تبدو ظاهريًا أنّها تجاريّة بطبيعتها، قد تكون لها أيضًا قيمة عسكريّة، تسمح للبحرية الصّينيّة التي تتطوّر باضطراد بتوسيع نفوذها لبناء نظام إقليمي ‏تكون هي القائدة له في اسيا الوسطى، ومن ثمّ الانطلاق ببناء نظام عالمي جديد تقوده الصين بقوّة .



وسيكون للاتفاقية مؤثّرات على العلاقات الإقليميّة والدوليّة وذلك لأنها ليست مجرّد اتّفاق ثنائي بين بلدين تجمعهما المصالح الاقتصاديّة المشتركة، بل مدخلًا لتغيير قواعد اللّعبة السّياسيّة في المنطقة. فقد سمحت الاتّفاقية للصّين التّوجّه إلى المنطقة التي كان النّفوذ فيها محصورًا بالولايات المتّحدة، لذا فهو مكسب للصّين في منطقةالشرق الأوسط. و تحاول الصّين بمخلبها الاستراتيجي الموجّه نحو الولايات المتّحدة وحلفائها، خلق ترتيبات وتوازنات جديدة عبر ربط الدول من خلال الممرّات، وتشكيل محاور جديدة شديدة التّعقيد والتّشابك، أهمّها “ترويكا” أي محور “إيراني – صيني- روسي ومن المتوقّع تقارب باكستان مع هذا المحور، بالنّظر إلى خلفيّة العلاقات الصّينيّة الباكستانيّة بشكل عام، والدّور الذي تولّيه الصّين لكلّ من باكستان وإيران على مسار الحزام والطّريق من جهة ثانية. ولا بد للولايات أنْ تحاول إقامة تحالفات جديدة مع دول أخرى للوقوف في وجه الصّين. وقد تدفع هذه التّطورات إلى ظهور محور مقابل ” أمريكي- إسرائيلي-إماراتي”، ويمكن إدراج الهند في هذا المحور.




اخيرا ، إنّ الاتّفاقيّة تؤثّر على علاقة قطبي الاتفاقية مع الجانب الأميركي. من الجانب الصيني، ترفض الصين الاعتماد على المظلة الأمنية الأميركية حصراً، وتعرض نفسها وسيطاً لحل الصراع العربي الإسرائيلي، وفي التقارب السعودي الإيراني مؤخراً. في المقابل، فإن الولايات المتحدة، تزيد التصعيد و ترفع سقف التّحدي مع الجانب الصيني من خلال حرب التكنولوجيا والاقتصاد، والاستعداد للمواجهة العسكرية في المحيط الهادئ، وقد أكّدت وزيرة الجيش الأمريكي عن إمكانية الصدام العسكري المباشر، مع اعطاء تفاصيل المعركة المستقبليّة إن حصلت. كما إنّ زيارة رئيسة مجلس النّواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى تايوان في آب 2022 هي أيضًا تلويح بتهديد فعلي بمشاركة أمريكا الحرب إلى جانب تايوان. وتفرض الولايات المتحدة مزيدا من العقوبات على إيران، فقد فرضت على سبيل المثال عقوبات جديدة على شركات شحن، وبتروكيماويات إيرانية مرتبطة بإيران ،مستهدفة 20 سفينة شحن مرتبطة بشركات في الصّين، وفيتنام. وفي المقابل فإنّ إيران تستمرّ في رفع مستوى التحدّي والتّخصيب الذي كان في عام 2016 حوالي 20% ووصل اليوم إلى حدود 60% ، حتّى أنّها أعلنت على الملأ وصولها في بعض المنشآت (فوردو) إلى نسبة تخصيب 84%، وقبولها بأن تأتي امريكا للكشف عن منشآتها.



بالتّالي،  نخلص أن اتفاقية الشّراكة الاستراتيجيّة بين الصّين وإيران ( 2021) تؤثّر بشكل كبير على البلدين، سواء اقتصاديًّا أو سياسيًّا،ّ إلّا أنّها تؤثّر بشكل أكبر على الدّيناميات الإقليميّة والعالميّة من خلال تأثيرها في التّوازنات الجيوسياسيّة والعلاقات الدّوليّة، خاصّة في هذه المرحلة الانتقاليّة، والعالم كلّه يشهد تحوّلا نحو هندسةٍ مختلفة لنظامٍ عالمي جديد.



لكن يبقى السؤال،  هل ستطبّق الاتّفاقيّة بشكل كلّي، أم ستبقى  في حالة ركود، مجرد “حبر على ورق”؟


وهل ستسعى الولايات المتّحدة الى منع إيران من الحصول على التّكنولوجيا أو الدّعم العسكري من الصّين، لما يشكّل ذلك من تهديد لأمنها ومصالحها في المنطقة؟ أم سنشهد مزيدا من الصدمات الأمنيّة ، ومزيدا من العقوبات الاقتصاديّة، والتوتّرات، والانهيارات على السّاحة الدّولية ، قد تنتهي بمواجهة ساخنة بين الصّين والولايات المتّحدة الأمريكية؟


وهل تندلع الحرب العالمية الثالثة من بوابة تايوان؟


واذا انتهت الحرب العالمية الثانية باستخدام الأسلحة النووية، فكيف تنتهي المواجهة مع الصين؟..



الكاتبة: الدكتورة إيمان درنيقة الكمالي


أستاذة جامعيّة- باحثة سياسيّة




safir shamal



ملاحظة : نرجو ممن يرغب بإضافة تعليق، صياغته بلغة لائقة بعيدة عن القدح والذم والتحريض المختلف أو المسّ بالكرامات. إن كل ما ينشر من مقالات وأخبار ونشاطات وتعليقات، لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الموقع الذي لا يتحمّل أي أعباء معنويّة أو ماديّة من جرّائها.


التعليقات

لارسال تعليق يرجى تعبئة الحقول الإلزامية التالية

الاسم الكامل: اختياري *الرسالة : مطلوب

 البريد الالكتروني : اختياري

 الدولة : اختياري

 عنوان الرسالة : اختياري

 



INN LEBANON

اشترك و أضف بريدك لتلقي الأخبار

تابعونا على مواقع التواصل الاجتماعية
INN LEBANON ALL RIGHTS RESERVED 2024
top