طرحت الإعتداءات الإسرائيلية المتزايدة على لبنان، والمستمرة منذ أكثر من خمسة أشهر ونيّف، هواجس وتساؤلات عدّة بعد اتساع رقعتها وتصاعد وتيرتها في السّاعات الـ48 الماضية، حول إذا ما كان ذلك مقدمة لاندلاع حرب أوسع وشاملة بين جيش العدو والمقاومة في لبنان، تشبه بشكل أو بآخر الحرب الدائرة في قطاع غزّة.
فبعدما كانت الإعتداءات الإسرائيلية لا تطال مناطق في العمق اللبناني إلّا نادراً، وكانت تقتصر على مدن وبلدات وقرى محاذية للحدود مع فلسطين المحتلة لا تبعد أكثر من بضع كيلومترات عنها، شنّت الطائرات المعادية في السّاعات الماضية هجمات على مواقع في البقاع الشمالي سقط بسببها شهداء وجرحى، وألحقت دماراً بممتلكات وبنى تحتية، عدا عن سقوط صاروخ لم ينفجر في بلدة حراجل الكسروانية.
إرتفاع وتيرة الإعتداءات الاسرائيلية ترافق مع تصعيد في المواقف عندما هدّدت دولة الكيان باجتياح لبنان وشنّ حرب بريّة، بعدما قامت بمناورات وتدريبات تحاكي الحرب على لبنان، بالتزامن مع تصريح وزير الأمن القومي في دولة الكيان إيتمار بن غفير، دعا فيه وزير الدفاع يؤآف غالانت لـ”بدء الحرب على لبنان فوراً”، بعدما أطلقت المقاومة أكثر من 100 صاروخ باتجاه نقاط عسكرية في دولة الكيان ردّاً على تصعيد جيش العدو عدوانه على لبنان.
ما سبق من تصعيد عسكري كان دافعاً للتساؤل إذا كان جيش العدو سيشنّ إجتياحاً بريّاً ضدّ لبنان، وتحويل جنوب لبنان إلى غزّة ثانية مع ما يعني ذلك من إتساع رقعة الحرب على أكثر من جبهة، أم محاولة منه للهروب إلى الأمام بعد فشله في تحقيق أهدافه من عدوانه على قطاع غزّة؟
في الحسابات الإسرائيلية كما في حسابات المقاومة فإنّ شنّ جيش العدو حرباً بريّة واسعة ضد لبنان ليس بالأمر السّهل، لأنّ عدوان جيش الكيان على قطاع غزّة سيبدو أشبه بنزهة إزاء ما ينتظره في جنوب لبنان، سواء من حيث قدرته على شنّه، وتحمّل تداعياته، أو الخسائر والهزائم التي ستنزل به، واستحالة تحقيق أهدافه في لبنان وهو الذي لم يستطع تحقيقها في عدوانه على قطاع غزّة، وهو لا يملك إلا سلاح الهجمات الجوية متفوقاً بها على أسلحة المقاومة، لكنّه سلاح لا يجعل نتيجة الحرب محسومة لصالحه.
ويدرك كيان العدو، حكومة وجيشاً، أنّ لبنان اليوم يختلف عن العام 1982 عندما اجتاحه ووصل إلى تخوم العاصمة بيروت في أقل من أسبوع، وأنّه تنتظره مقاومة شرسة ومدرّبة ليست فقط قادرة على صدّ عدوانه، إنّما على استلام زمام المبادرة رافعة شعار أنّ “خير وسيلة للدّفاع هي الهجوم”، وتهديد الكيان في عقر داره.
كما يدرك العدو أنّ محاولته فصل جبهة لبنان عن جبهة قطاع غزّة لن يكتب لها النّجاح، لأنّ الجبهتين مترابطيتن كما لم تكونا يوماً من قبل، ما يجعل التفكير والسّعي إلى فصلهما محاولة فاشلة مسبقاً، وبالتالي لا يعود أمام العدو إلّا الإعتراف أنّ تفوقه العسكري السابق، منذ نشأته قبل أكثر من 75 عاماً، قد أصبح من الماضي.