ما كاد أعضاء كتلة الإعتدال النيابية يغادرون أوّل من أمس مقرّ الرئاسة الثانية في عين التينة بعد لقائهم رئيس المجلس النيابي نبيه برّي يحدوهم التفاؤل إزاء مبادرتهم المتعلقة بالإستحقاق الرئاسي، متحدثين عن “دفع قوي” تلقوه من برّي إزاء المبادرة، وأنّ الآلية الخاصة بالمبادرة التي رسموها مع برّي “آلية ايجابية جداً”، ومؤكّدين أنّ “هناك تفاهم على ترؤس جلسات التشاور، وعلى طريقة الدعوة، وعلى كلّ الأمور التي سوف تُنجِح المبادرة”، وأنّ برّي “متفائل وأبلغنا كلّ خير”، حتى أطلق رئيس المجلس تصريحاً بعد مغادرة نواب الكتلة اعتبر نعياً للمبادرة، ونسفاً لها، ودفناً لها قبل أن تُولد.
ففي تصريح أدلى به برّي إلى محطة تلفزيون الجديد قال رئيس المجلس إنّ اللقاء مع أعضاء كتلة الإعتدال “كان إيجابياً”، قبل أن يستدرك ويضع النقاط على الحروف قائلاً: “أنا إللي بحط آلية للمبادرة، وما في رئيس غير رئيس المجلس”، بعد لغط أثير خلال الآونة الأخيرة حول آلية عمل المبادرة، ومن يترأس جلسات التشاور في المجلس، وما هي النقاط التي ستثار فيها، ومن يضع هذه النقاط، وهي نقاط وأسئلة بقيت بلا أجوبة، أو أنّ الأجوبة عليها كانت غير واضحة.
تشدّد برّي إزاء مبادرة كتلة الإعتدال وعدم تفاؤله رافقه تشدّد مماثل حيال طروحات واقتراحات التوصّل إلى هدنة في الجنوب توقف بموجبها الإعتداءات الإسرائيلية على لبنان، عندما قال إنه “ما في حلول طالما الهدنة مش ماشية، وليصير في هدنة بصير لـ(الموفد الأميركي عاموس هوكشتاين) دور، وحتى اللحظة ما في شي”، مضيفاً أنّ “هوكشتاين قدّم لنا أفكاراً عدّة، في منها إيجابي ومنها فيه إنَّ”، ومتابعاً: “ملتزمون بتطبيق القرار 1701 بالكامل، وغير الله ما بيجبرني وافق على بنود فيها إنّ”.
تصريح برّي جعل أكثر المتفائلين بمبادرة كتلة الإعتدال يشير إلى أنّه خلال شهر رمضان وفترة الأعياد سيكون هناك تجميد للمبادرة، وهي إشارة تفيد أنّ المبادرة قد انتهت عملياً، وأنّها ملأت وقتاً ضائعاً بانتظار مبادرة أخرى ستعمل بدورها للإستمرار في ملء الوقت الضائع إيّاه، إلى أن يحين أوان خروج الإستحقاق من عنق الزجاجة، وسط إنطباعات سلبية يغلب عليها التشاؤم، ترجّح أن لا تشهد الأشهر المقبلة إنفراجاً رئاسياً، وأنّ العام الجاري قد ينقضي والفراغ ما يزال مقيماً في قصر بعبدا.
تعثّر مبادرة كتلة الإعتدال وهي ما تزال في مستهل طريقها، يعود لأسباب عدّة، من أبرزها أنّ أعضائها لا يمثلون ثقلاً سياسياً في المعادلة داخل مجلس النواب، وأنّه لا حلفاء لهم يدعمون مبادرتهم، لأن استقبال مبادرتهم بإيجابية شكلية من قبل الكتل الأخرى لم يكن إلّا كي لا يُرمى فشل المبادرة على هذا الطرف أو ذاك، فضلاً عن الإنقسام السّياسي الحاد الذي يجعل من الصعب التقريب بين وجهات النظر في ظروف صعبة وحامية داخلياً وفي المنطقة، فضلاً عن ربط أيّ حلّ في لبنان بالحلّ الشامل في المنطقة، وعلى رأسه إيجاد حلّ للحرب الدائرة منذ 5 أشهر نتيجة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، وهو حلّ ما يزال يتعثّر.