كل مصطلحات اللغة لا يمكن أن تصف الوحشية الاسرائيلية التي إستهدفت الفلسطينيين المدنيين الأبرياء في “دوار النابلسي” خلال محاولاتهم الحصول على المساعدات الغذائية التي دخلت تحت جنح الظلام، الأمر الذي إستغله الجنود الصهاينة لإرتكاب مجزرة جديدة راح ضحيتها المئات من الشهداء والجرحى الذين سقطوا جراء جريمتهم النكراء التي إرتكبوها بدم بارد وعن سابق تصور وتصميم.
المجزرة أثارت غضبا عالميا وعربيا، خصوصا أنها تؤكد إصرار إسرائيل على ممارسة الابادة الجماعية بحق الفلسطينيين في غزة، لكن هذا الغضب بقيَ موضعيا ولم يرق الى مستوى إدانة اسرائيل التي سارعت أميركا الى تغطية جريمتها مجددا، تارة بتجهيل الفاعل بحجة عدم إمتلاك معلومات بحسب ما صرح الرئيس جو بايدن، وتارة أخرى بالدعوة الى فتح تحقيق بهدف تمييع القضية، في وقت إكتفت فيه أكثرية دول العالم من عرب وأجانب والأمم المتحدة بالإستنكار والتعبير عن الخوف مما شهده “دوار النابلسي” الذي إرتكب فيه العدو الاسرائيلي المجزرة المروعة التي كانت أشبه بالاعدامات الميدانية الجماعية.
وجاءت المجزرة الجديدة في الوقت الذي كان فيه التفاؤل يعم العالم أجمع بقرب التوصل الى “تفاهم رمضان” الذي يتضمن وقف إطلاق النار في غزة والشروع في صفقة تبادل الأسرى، حيث أشارت المعلومات الى التوافق على أكثرية بنود الأوراق المطروحة وأن النقاش كان يتركز على مطلبين أساسيين تتمسك بهما حركة المقاومة الاسلامية “حماس” وهما الوقف الشامل لإطلاق النار وإنسحاب الجيش الاسرائيلي وآلياته من كل قطاع غزة، في حين كانت مصر وقطر وأميركا يبذلون الجهود لإقناع “حماس” بالتخفيف من هذه الشروط تمهيدا للوصول الى تسوية بضمانتهم تنهي معاناة الفلسطينيين.
المجزرة المروعة التي إقترفتها أيدي الصهاينة أشارت الى أمرين أساسيين، الأول أن إسرائيل لا تريد وقف الحرب، وأن رئيس حكومة الاحتلال يخشى أن يتجرع هذا الكأس في الوقت الذي تنتظره فيه المعارضة في الداخل للإنتقام منه ومحاكمته بتهم الفساد ومحاسبته على خسارته الحرب بعدم تحقيقه أيا من أهدافها، لذلك لجأ نتنياهو الى المزيد من جرائم حرب الابادة قتلا وتجويعا لإفشال هذه المفاوضات لضمان بقائه في الحكم وإطالة أمد وجوده على قيد الحياة السياسية، خصوصا أن زعيم المعارضة لابيد كان أكد أن لا إنتصار لإسرائيل الا بإسقاط حكومة نتنياهو.
والثاني، هو محاولة نتنياهو ممارسة المزيد من الضغط على المقاومة وفصائلها لإنتزاع التنازلات منها، خصوصا بعدما أيقن بأنه خسر الميدان ولم يبق أمامه للحفاظ على ماء وجهه سوى إدعاء الانتصار السياسي أو الاعلامي، وهو أمر لم يعد ينفع داخل المجتمع الاسرائيلي المنقسم على نفسه والمعارض بأكثريته لشخص نتنياهو الذي تؤكد كل المعطيات أنه إنتهى سياسيا وأن مصيره مهما كانت نتائج الحرب أو المفاوضات سيكون في السجن أو في القبر وفي كلا الحالتين الى مزبلة التاريخ.
لا شك في أن المجزرة الصهيونية الجديدة من شأنها أن تعرقل المفاوضات الجارية، هذا إذا لم تعطلها أو تنسفها من أساسها، لا سيما بعد الغضب الذي عبرت عنه “حماس” والكلام الذي قاله الرئيس بايدن الذي توقع أن “لا يدخل التفاهم على وقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ إعتبارا من يوم الاثنين المقبل”.
واللافت أن الحكومة الاسرائيلية قد عملت على تأجيل إعادة النازحين الى غلاف غزة والمستوطنات الشمالية الى شهر تموز المقبل، ما يوحي بأنها ماضية في توسيع رقعة الحرب وصولا الى إجتياح رفح، وضرب كل الجهود الجارية لتحسين واقع المفاوضات، إلا في حال إنقلب السحر على الساحر وساهمت هذه المجزرة في تحريك ضمير مجلس الأمن في إصدار قرار بوقف العدوان على غزة، خصوصا في ظل مواقف مشرفة من نفر قليل جدا من قادة العالم قد ينجحوا في تبديل المعادلة وتعود اسرائيل صاغرة الى طاولة المفاوضات.