جاء فيلم «Madame Web» ليفاجئنا بمدى بساطته وتواضع توليفته، فخلال ساعة وتسع وأربعين دقيقة، يخطو الفيلم خطواته الطويلة في عالم «سوني» الخيالي، لكنه اختار مسار المونتاج الأغرب والأكثر غموضا في تدفق الأحداث وتسلسلها، ما ألقى به في متاهة الإيجاز الزائد. لعل المشاهد الأولى من الفيلم كانت الأبهى، حيث تغوص الكاميرا في أعماق حياة كاساندرا (داكوتا جونسون)، وترصد بعناية تحولها الجذري إلى «مدام ويب»، في تلك اللحظات النادرة خطفت «داكوتا» الأضواء بأدائها الأخاذ، وهي تجسد صراع البطلة النفسي مع التغيرات المتلاطمة حولها، لكن كما يقال، لم يدم الحال على ما هو عليه، فما لبث الفيلم أن انحدر نحو الأدنى بمجرد ظهور الأدوار الثانوية والخصم الرئيسي.
يتقمص النجم آدم سكوت دور «سبايدرمان» بتفرد وبطريقة تلامس مشاعر محبي هذه الشخصية، ورغم أنه قدم مشاهد رائعة في البداية، إلا أن حضوره تلاشى مع تقدم الأحداث، وأما الشخصيات النسائية في الفيلم، فلم تنل أي منهن في القصة نصيبا وافرا من العمق أو التطور الشخصي، رغم فرصة التواجد الكافية التي كانت من الممكن أن تسمح بذلك، حيث ظهرت تلك الشخصيات بأقنعة متعددة الألوان، لكنها كانت أقنعة رقيقة، خالية من أي تفصيل يدعو للتأمل أو التعقيد، فلم ترتق للمستوى المعهود في عالم «سبايدرمان».
في أحيان كثيرة، يمكن للمؤثرات البصرية والتصوير السينمائي أن تنقذ فيلما من الغرق في بحر النسيان، إلا أن «Madame Web» لم يجد طوق نجاة في هذه الجوانب، فلم يبرز التصوير كنقطة قوة، بل على العكس كان مصدر ضعف في العديد من اللحظات، خاصة بمشاهد الأكشن المتسارعة، حيث يبدو أن الفيلم يسعى إلى إخفاء عيوب الحركة بواسطة تقنيات تصوير متزعزعة وغير مستقرة.
في النهاية يمكننا القول إنه بالرغم من الجهود المبذولة والتوقعات المعلقة على مواهب التمثيل، إلا أن «Madame Web» بدا كسفينة تائهة في بحر الإبداع، تنقصها خرائط السرد القوي والشخصيات المتينة، وقد تكون داكوتا جونسون أبدعت في لحظات شخصية «كاساندرا» الانتقالية، وآدم سكوت قد يكون أضفى روحا على شخصيته المألوفة لجمهور «سبايدرمان»، لكن الفيلم ككل لم يستطع الارتقاء إلى مستوى هذا التألق المتقطع. خلاصة القول.. يظل «Madame Web» مثالا آخر على التحديات التي تواجه صناع السينما عند محاولة تحويل الشخصيات الكرتونية إلى شخصيات حية تنبض على الشاشة الكبيرة، ومع أن الفيلم قد يجد جمهوره بين المتابعين الأوفياء لعالم «سبايدرمان»، إلا أنه يبقى دليلا على أن الأسماء الكبيرة وحدها لا تكفي لصناعة تحفة سينمائية، فالسينما تحتاج إلى روح القصة وعمق الشخصية، وكل ما يجعل العمل الفني يترك بصمة لا تنسى في ذاكرة المشاهدين.