وثَّق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، شهادات جديدة صادمة لفلسطينيات من قطاع غزة، تعرَّضن للتفتيش العاري والعنف الجنسي والتعذيب والمعاملة اللاإنسانية، من خلال التحرش الجنسي والتهديد بالاغتصاب، خلال احتجازهن لمدد متفاوتة من قِبَل قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي.
تضمنت شهادات المعتقلات اللواتي أفرج عنهن مؤخراً بعد أن أمضين مُدداً مختلفة من الاعتقال تعرضن خلالها لممارسات قاسية تصل لحد التعذيب، بما يشمل ضربهن بشكل وحشي، وتهديدهن بالاغتصاب حال عدم الانصياع لأوامر الضباط والإجبار على التجرد الكامل من ملابسهن والتفتيش العاري أمام جنود ذكور.
كما تضمنت الشهادات توجيه ألفاظ نابية بحق الفلسطينيات، وتقييدهن وتعصيب أعينهن لفترات طويلة، واحتجازهن في أقفاص مفتوحة وسط أجواء شديدة البرودة، وحرمانهن من الطعام والأدوية والعلاج اللازم والمستلزمات النسائية، وتهديدهن بشكل متواصل بحرمانهن من رؤية أطفالهن، عدا عن قيام الجيش الإسرائيلي بنهب أموالهن وممتلكهاتهن التي كانت بحوزتهن عند الاعتقال.
أجرى فريق المرصد الأورومتوسطي مقابلات شخصية ميدانية مع عشرات النساء اللاتي صرّحن بأنهن تعرضن للتحرش الجنسي واللفظي، فيما يقدّر المرصد أن عدداً أكبر من المعتقلات تعرضن لتلك الانتهاكات وفضّلن عدم الكشف أو الحديث عنها بسبب الأعراف الاجتماعية أو نتيجة تعرضهن للصدمة أو خوفاً من الانتقام أو الملاحقة أو القتل من الجيش الإسرائيلي.
قالت “ن.ح” (45 عاماً) -وهي من سكان حي “الشيخ رضوان” في مدينة غزة- لفريق المرصد الأورومتوسطي إنه جرى اعتقالها في 28 كانون الأول 2023، من داخل مدرسة لإيواء النازحين تديرها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة (أونروا) في مخيم البريج للاجئين وسط قطاع غزة، وقد ظلت محتجزة لمدة 43 يوماً.
المعتقلات تعرَّضن للتفتيش العاري مرات عدة
روت “ن.ح” أن الجيش الإسرائيلي اقتحم المدرسة فجراً واستدعى الذكور وأجبرهم على خلع ملابسهم واحتجازهم، ومن ثم تم استجواب النساء عبر طلب فحص هوياتهن الشخصية، مشيرة إلى أن قوات الجيش طلبت منها الدخول إلى غرفة للخضوع لمعاينة طبية. وأضافت: “بعد دخولي الغرفة تم تفتيشنا ونحن عاريات بالكامل داخل مكان مغلق، وظلت المجندات يضربننا بشدة”.
أشارت إلى أنها تعرضت للتفتيش العاري عدة مرات في أماكن مفتوحة وبوجود جنود ذكور، فيما قامت مجندة خلال تعريتها بإهانتها والبصق عليها والتعليق على جسدها.
مواطنة تعرضت للاحتجاز داخل قفص يشبه “قفص الحيوانات”
كما أوضحت أنها تعرضت للاحتجاز لمدة 11 يوماً داخل قفص يشبه “قفص الحيوانات” في العراء، وكانت مكبلة طوال الوقت وسط أجواء شديدة البرودة، فيما لم توجد في المكان سوى دورة مياه واحدة دون طعام أو ماء كافٍ، موضحة أنه تم التحقيق معها عن أفراد عائلتها بينما كانت مقيدة على كرسي.
أفادت بأنه تم التحقيق معها مرة أخرى بعد أربعة أيام من وجودها داخل قفص وابتزازها بعدم رؤية أبنائها مجدداً في حال عدم تعاونها مع المحققين، فيما تعرضت لإهانات لفظية من الجنود والمجندات، فضلاً عن تصويرهن بالهواتف المحمولة لتوثيق تعذيبهن وسط تجاهل تدهور حالتهن الصحية.
مواطنة هددوها بالاغتصاب إذا لم تطِع أوامر الجنود
من جهتها أفادت “ن.م” (39 عاماً) -طلبت عدم الكشف عن اسمها- أنه قبل اعتقالها تعرض ثلاثة من أشقائها للقتل في حادثتين منفصلتين بقصف من طائرة استطلاع إسرائيلية وإطلاق نار، مشيرة إلى أنه عند اقتحام المدرسة بالآليات العسكرية، تمت تعرية الذكور واستجوابهم، ومن ثم اقتيادهم مع النساء إلى مسجد قريب ومصادرة بطاقاتهم الشخصية واستجوابهم جميعاً بشكل فردي.
كما أضافت أنه تم التحقيق معها من قِبل جنود هددوها بالاغتصاب حال عدم إطاعة أوامرهم بتسجيل مقاطع مصورة تهاجم حركة “حماس”، إلى جانب تهديدها بعدم رؤية أبنائها حال عدم استجابتها لهم.
وأشارت إلى أنه تم نقلها إلى سجن “الدامون” الإسرائيلي والتحقيق معها حول قضايا عسكرية وسط ظروف معيشية بالغة السوء، ولم يكن يسمح لهن بالخروج من الغرفة الضيقة.
مواطنة تعرضت للتفتيش وهي عارية من ملابسها
قالت “ش. د” (20 عاماً)، من سكان مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة، لفريق الأورومتوسطي إنها تعرضت للاعتقال لمدة 50 يوماً من داخل مدرسة حكومية لإيواء النازحين في مدينة غزة. وأوضحت أنه عند اعتقالها تم تكبيل يديها من الخلف ووضع عصابة على عينيها وتفتيشها وهي عارية من ملابسها باستثناء الملابس الداخلية، قبل أن يتم نقلها مع معتقلات أخريات عبر جيب عسكري إلى موقع “زيكيم” العسكري، فيما تركهن الجنود على الرصيف لمدة تقارب الساعتين وهم يسخرون منهن ويتحدثون باللغة العبرية التي لا يفهمنها.
وقالت: “كانت مرحلة الاحتجاز صعبة للغاية وتعرضت لشد عضلي في يدي المكبلة، وعندما حاولت تعديل وضعيتي، قامت المجندة الإسرائيلية بضربي بشدة على ظهري. ثم تم نقلنا بالشاحنة إلى منطقة جبلية بالقرب من مدينة القدس في مركز احتجاز يُدعى عاناتوت، وكانت درجة الحرارة هناك منخفضة وعانينا من البرد الشديد”.
وأضافت: “بقينا هناك على الرصيف لمدة تقارب الساعة، ثم أعطونا ملابس السجن المعروفة باللون الرمادي. بعد ذلك، قاموا بتقييدنا جماعياً في طابور وسخروا منا بينما كنا نمشي، ثم اقتادونا إلى مكان يشبه القفص يشبه الجحيم. وبقينا في هذا القفص لمدة حوالي 8 أيام، دون تلبية احتياجاتنا الأساسية مثل قضاء الحاجة والطعام”.
وتابعت: “خلال تلك الأيام، لم يتم تقديم طعام سوى وجبة اللبنة، وكانت كمية الطعام قليلة جداً، ولكنا كنا نتقاسمها بيننا. كنا نتعرض لإهانات لفظية سيئة بألفاظ نابية، ومنعنا من الاستحمام واستخدام الفوط الصحية إلا بكميات شحيحة جداً لا تكفي حتى ليوم واحد”.
الجنود أبقونا عراة تحت الأمطار
وأضافت: “كان الجنود يضيقون علينا ليمنعونا من الصلاة، فضلاً عن إبقائنا في العراء تحت الأمطار”. وأوضحت أنها تعرضت لعدة اعتداءات من مجندات، وبعد قضاء ثمانية أيام تم نقلها إلى سجن الدامون.
واستكملت: “خلال عملية النقل قامت إحدى المجندات برفع العصابة عن عيني وطلبت منّي تقبيل علم إسرائيل، وحين رفضت تعرضت للضرب بشكل جنوني في وجهي، وظلت المجندة تستفزني وتعتدي عليَّ انتقاماً مني بعد ذلك”.
واشتكت “ش.د” من تعرضها للإهمال الطبي أثناء وجودها في سجن الدامون، وخضوعها لجلسات تحقيق قاسية متكررة حتى تم الإفراج عنها.
سرقة المقتنيات من الذهب والأموال
من جهتها، قالت “ر. ر” (31 عاماً)، وهي من سكان شمال غزة، إنها تعرضت للاعتقال في 3 كانون الأول الماضي أثناء نزوحها مشياً على الأقدام عبر حاجز (نتساريم) العسكري إلى جنوب قطاع غزة.
وقالت إنه عند اعتقالها تمت مصادرة كافة مقتنياتها من ذهب وأموال وهاتف محمول وأغراض شخصية، وأُجبرت على خلع ملابسها قبل أن يتم تقييد أيديها وتعصيب عينَيها ونقلها إلى مركز احتجاز في موقع (زيكيم) وإخضاعها لجلسات تحقيق قاسية تتضمن معاملة قاسية من ضرب وتعذيب وتوجيه ألفاظ نابية.
كما أوضحت أنه تم رفض تلبية أبسط احتياجاتها، بما في ذلك توفير رعاية لها خلال فترة الدورة الشهرية، وقد تم ابتزازها في عدة مناسبات بما في ذلك الطلب منها العمل لصالح المخابرات الإسرائيلية وتهديدها بالتعذيب والقتل في حال أصرت على الرفض.
وأضافت أنه تم نقلها لاحقاً إلى سجن “الدامون” داخل باص، وتعرضت خلال ذلك إلى اعتداء بالضرب الشديد من جندي، وقد خضعت لمزيد من الاستجواب، وتخلل ذلك الاعتداء الجسدي عليها وهي عارية من ملابسها، فضلاً عن احتجازها في العراء في البرد الشديد، وذلك قبل أن يتم الإفراج عنها في 19 كانون الثاني الماضي.
كان بيان لخبراء في الأمم المتحدة الأسبوع الماضي، أعرب عن القلق إزاء تقارير موثوقة بشأن الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان التي تتعرض لها النساء والفتيات الفلسطيني ان في قطاع غزة والضفة الغربية، بما في ذلك العنف الجنسي والاغتصاب والتهديد به والتعذيب والحرمان من الرعاية الصحية والغذاء.