كما هو معروف يعتبر لبنان من أكثر الدول استقطابا للعمالة الأجنبية في منطقة الشرق الأوسط، وخصوصا العاملات الاجنبيات اللواتي يعملن في القطاعات المنزلية والخدمات.
ومما لا شك فيه ان هذه الفئة تأثرت بشكل كبير بالأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلد منذ العام 2019 حيث تدهورت ظروف حياتهن المادية والاجتماعية وحتى الإنسانية بشكل كبير.
وتضع الفئات الاجتماعية المختلفة عاملات منزليات لديها في المنزل، ويتفاوت ذلك حسب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للعائلة. وتوظف نسبة لا بأس بها من العائلات اللبنانية عمالة منزلية؛ وتعد هذه الخدمة شائعة خاصة في الاسر ذات الدخل المرتفع والتي تحتاج الى مساعدة في الاعمال المنزلية. وحسب الاحصائيات غير الرسمية تتراوح نسبة العائلات التي توظف مساعدة منزلية بين 20 الى 30%.
وفي الإطار، تتوزع العاملات الاجنبيات بشكل رئيسي في المناطق والمدن الحضرية الكبرى مثل بيروت وطرابلس وصيدا وصور، وتعمل اغلبية العاملات الاجنبيات في المؤسسات السياحية والفنادق التي تتوزع في مختلف انحاء البلد؛ أيضا في الرعاية الصحية والمطاعم والقطاع الزراعي ويتم توظيف الكثير منهن عبر وكالات توظيف تعمل كوسيط بين العاملات وأرباب العمل وتتقاضى عمولة من الجانبين.
لا بيانات رسمية!
في موازاة ذلك، كشف مكتب غلام لاستقدام العاملات الاجنبيات لـ “الديار”: “عن عدم وجود احصائيات دقيقة حول عدد العاملات اللواتي عدن الى بلادهن بعد الازمة النقدية وذلك لعدم توافر ارقام رسمية حول هذه المسألة. ورغم صعوبة تحديد نسبة هؤلاء في لبنان بدقة بسبب غياب الارقام الرسمية المحدثة لكن يقدر ان عددهن يتراوح بين 200,000 الى 300,000 عاملة معظمهن يتحدرن من دول آسيوية مثل الفليبين وسيريلانكا واثيوبيا. وأردف، تأثرت الكثير منهن بالشظف وتدهور الأوضاع المعيشية مما دفع بعضهن الى الرجوع الى بلادهن نتيجة لصعوبات الحياة وظروف العمل السيئة”.
وفي هذا الخصوص قال مصدر في وزارة العمل لـ “الديار” “ان نسبة اعداد العاملات الاجنبيات تقهقرت بشكل كبير في لبنان بعد ثورة 17 تشرين ونتيجة لجائحة كورونا؛ حيث بلغت نسبة التراجع بعد العام 2019 وحتى أواخر 2021 بين 40 الى 50%. لكن هذه النسبة ما لبثت ان عادت لتشهد ارتفاعا جديدا مع نهاية العام 2021 حيث ارتقت الى مستويات أدنى بقليل من معدلات عام 2019”.
وفي هذا المجال، قال الباحث في الدولية للمعلومات السيد محمد شمس الدين لـ “الديار” “ان عدد العمالة الأجنبية كان 269643 في العام 2018 وانخفض الى 156985 في العام 2020 وتراجع في العام 2022 الى 85477، وفي العام 2023 عاد الى الارتفاع ووصل الى 95285”.
نظام العمل في الساعة غير قانوني!
وفي السياق، علمت “الديار” ان معظم المساعِدات الاجنبيات بتن يعملن بدوام جزئي او بنظام الساعات المرنة وذلك من خلال مكاتب الاستقدام او معارف العاملات أنفسهن”.
ووفقا للمصدر في وزارة العمل “فان إجازة عمل العاملة في الخدمة المنزلية لها شروطها بموجب عقد عمل يبرم بين صاحب العمل او الكفيل وبين المساعدة، لذلك يعتبر العمل بنظام الساعات غير قانوني”.
وأوضح المصدر “ان رسوم استقدام العاملات الاجنبيات تبدلت حيث ارتفعت من 300 ألف ليرة لبنانية الى 6000000 ملايين ليرة لبنانية كبدل رسم إجازة عمل للمساعِدة في الخدمة المنزلية”.
ادخال العاملات شرعي!
على الصعيدين الرسمي والقانوني هناك إجراءات قانونية تتعلق بتوظيف العاملات الاجنبيات في الخدمة المنزلية ويجب على أصحاب العمل اتباعها. ومن الضروري توقيع عقد عمل رسمي يحدد شروط العمل والرواتب وحقوق العاملة وواجباتها. كما يجب على أصحاب العمل تسجيل العاملة لدى وزارة العمل اللبنانية ودفع الرسوم المطلوبة. وتتطلب هذه الإجراءات الالتزام بالقوانين اللبنانية لحماية حقوق العمال وتوفير بيئة عمل آمنة وصحية. وبالرغم من ذلك، قد تحصل بعض التجاوزات وعدم الامتثال للقوانين في أكثرية الحالات.
وفي هذا السياق اشار المصدر في وزارة العمل الى “انه في ما خص القوانين والقرارات التي تنظم العمالة الأجنبية كما الاتفاقيات الدولية التي يلتزم بها لبنان فكلها موجودة على الموقع الالكتروني لوزارة العمل”.
المكاتب انكفَأت!
على خط مواز، لا توجد احصائيات دقيقة حول عدد مكاتب استقدام العاملات في لبنان، لكن يُعتقد ان نخبة لا يستهان بها من هذه المؤسسات في مختلف المناطق قد اغلقت بشكل نهائي بسبب الازمات النقدية والحياتية ودولرة كافة القطاعات. وتتنوع هذه المكاتب في حجمها ونشاطها ومدى قانونيتها حيث تعمل على توظيف العمالة الأجنبية تحت مسميات مختلفة وأحيانا قد تكون مشبوهة.
في سياق متصل، أكد المصدر في وزارة العمل لـ”الديار” “ان هناك مكاتب استقدام أقفلت مجبرة بسبب تراجع اعداد طلبات استقدام العاملات في الخدمة المنزلية، وعدم قدرتها على مواكبة هذه المتغيرات، كما أوصد عدد من المكاتب بسبب عدم الالتزام بالقوانين المرعية الاجراء”. وأردف: “وكذلك اقفلت مكاتب جراء الدولرة وكنتيجة للازمة الاقتصادية المالية”.
ظروف العاملات مزرٍ!
في سياق انساني معيشي متصل بيّنت الناشطة في مجال حماية حقوق الانسان ايمان الدهيبي “ان وضع العاملات الاجنبيات مؤسف بسبب الرواتب المتدنية لان معظمهن يتقاضين رواتب قليلة جدا تقل بكثير عن الحد الادنى المعيشي وهو ما يجعلهن غالبا في حالة من الفقر والتشرد”.
وأوضحت لـ “الديار” قائلة: “على المقلب الاخر لا يجب ان ننسى ان اغلبية اللبنانيين يقبضون معاشات زهيدة لا سيما خلال السنوات الثلاث الأخيرة وهذا زاد من معاناة العاملات حتى باتت اجور هؤلاء في الآونة الاخيرة تضاهي راتب رب اسرة مكونة من 5 افراد”.
وتابعت لافتة الى “ان الكثير منهن يضطررن للعمل لأوقات طويلة بدون راحة او اجازات مما يؤثر سلبا في صحتهن الجسدية والنفسية. وتعاني العاملات من انتهاكات مستمرة لحقوقهن بدون حماية فعالة نظرا لغياب قوانين حماية العمال في لبنان ويتطلب ذلك تدخلا رسميا فعالا لوضع سياسات وقوانين تحمي حقوق العمال وتعزز الرقابة على شركات التوظيف لمنع سوء المعاملة والاستغلال”.