هي الزيارة الاولى بعد عقد ونيّف الى ارض الكنانة والاولى ايضآ للقاء القمة بين الرجلين عبد الفتاح السيسي ورجب طيب اردوغان.
في الواقعية السياسية طي صفحة انقلاب عزل الرئيس المصري السابق محمد مرسي عام 2013 وبالتالي انهاء حكم الاخوان المسلمين الذي ترجم لدى كثيرين دون مبالغة تحت عنوان “هزيمة الاسلام السياسي”؛ كما تعني استدارة تركية نحو مصر بعد اعوام مِن القطيعة نَظرآ لتقاطع المصالح الاستراتيجية وتطابق المصائب الاقتصادية الى حد بعيد، حيث أن افرزت المحادثات الثنائية رفع مستوى التبادل التجاري وحجم الاستثمارات بين البلدين الى 15 مليار دولار، ما يجعل مصر الشريك التجاري الاول مع تركيا..
في السياق، على ما نضحت الزيارة واعلن، إطار معتاد تحت عنوان تعزيز التنسيق المشترك بما يسهم في تحقيق السلم وتثبيت الاستقرار وتوفير بيئة مؤاتية لتحقيق الازدهار..
لا شك في ان الدولتين تتقاسمان تاريخآ مشتركآ وإرثآ حضاريآ وثقافيا يعود لأكثر مِن الف عام، كما يرتبطان ايضآ بعامل التواصل الشعبي عَلى خلفية غير مباشرة تعود لوحدة الدين و”المذهب”، ذكر الكلمة الاخيرة بات امرآ طبيعيآ بعد ان تصدرت ألإيديولوجيا الدينية – السياسية عصرنا الحاضر، تربة خصبة وفتيل جاهز لإشعال الصراع الاقليمي مع المد الشيعي والايراني تحديدآ..!
تاليآ؛ تشكل الدولتان بحجمهما الجيو- سياسي والديموغرافي كما قدراتهما الظاهرة والكامنة مِن الموارد الطبيعية “الثقل النوعي” الأوزن عَلى مستوى الاقليم، سيما ان سلكت التفاهمات بينهما محور التطابق والتعاون ضمن وحدة الاهداف والمصالح. اذ هما في الهم يواجهان تحديات مشتركة لَيسَ اقلها خطر الارهاب والاوضاع الاقتصادية الصعبة تتوازى مع تموضع جغرافي في اقليم غير مستقر إن أطفأت ناره فجمره يَبقى ملتهبآ تحت الرماد..!
مِن هذه المنطلقات كان التشاور بين الرئيسين حول عدة ملفات، منها، تسهيل اجراء الانتخابات في ليبيا وتوحيد المؤسسة العسكرية، كذلك الوضع المتفجر في السودان وسبل اطفائه، فيما بَقي الملف الاثيوبي ومشكلة سد النهضة قيد المعالجة عَلى تريث ربما لإطلاق وساطة تركيا مستقبلآ..
مِن جهة اخرى؛ شكلت حرب غزة وما يرتكبه جيش الكَيان الصهيوني مِن مجازر بحق المدنيين همّآ مشتركآ بديهيآ سيما في ظل خطة صهيونية ممنهجة سَبَقَ وسعى اليها مستشار الرئيس الاميركي السابق وعراب صَفقة القرن جاريد كوشنير مِن احد اهدافها تدمير القطاع بالكامل وتهجير سكانه الى شبه جزيرة سيناء؛ فكان التشديد والسعي لإدخال المساعدات الغذائية والطبية، كذلك ضرورة وقف اطلاق النار وتحقيق التهدئة في الضفة الغربية ما يسمح باستئناف عملية السلام في أقرب فرصة، وصولا الى قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.. كما ورد في كلمة الرئيس التركي اردوغان خلال المؤتمر الصحفي المشترك رفض قاطع لتهجير سكان غزة وتطهير القطاع بالتوازي مع كبح جنون رئيس حكومة العدو بالتعاون مع المجتمع الدولي منع وتلافي نقل المجزرة الى منطقة رفح حيث يقيم فيها حاليآ حوالي 1,3 مليون نازح، في مساحة لا تتعدى 65 كيلومتر مربع..
في الجرأة استعداد للمخاطرة او المواجهة دون غطرسة، لَم يفرز الوزن النوعي والكمي لكلا الدولتين بعد لقاء القمة (عَلى قناعة قواسم مشتركة لجهة وقف حرب الابادة المرتكبة من صهاينة العصر وغيلانه بحق الشعب الفلسطيني) اكثر مِن تمنيات ومدرجات مواقف من نوع السوالف..
تناقض فاضح بين الحال والمآل بين القدرة عَلى الافعال وببغائية العبارات.. قد يموج الخيال بأهل الامة إثْرَ يأس نتيجة فيض الدماء المسفوكة لنرى فرض وقف المجزرة ومحاسبة الجزار.. وقع الجرأة واقع اثبات الذات، تهديد وتأنيب ان لَم نقل تأديب بوجه مجلس الحرب المجرم سند مرتكز على قَرار محكمة العدل الدولية، اذ لا يمكن فصل القدرات العسكرية التركية – المصرية عن غاياتها والاهداف..!
مهول حد خيبة ما ورد اليوم في وسائل اعلام العدو «سننسق مع مصر قبل اي عملية عسكرية في رفح»..؟؟؟
أخيرآ، ما هو مرتجى او كان، هو تهدأة غضب اهل الكوكب، اقله “سحب السفراء، تعليق اتفاقية السلام، اغلاق المجال الجوي.. الخ”.. ما هو حكر على الدولتين ليس ثورة هي حصرآ للشعوب المقهورة المسحوقة من صنفها طوفان الاقصى اذ سدد شعب غزة ورمى، بَل واجب دفاع عن الامة عن الدين الحنيف والمقدسات واكثر عن الامن القومي لكلا البلدين..!! قاتل حَقَآ هذا العراء السياسي الفكري والاخلاقي كما هذا الانكسار من اصل روح الانهزام والتخاذل..!
خيط رفيع يتوجب قطعه بين حالين شجاعة مقرؤة مقرونة بالعقل والرأي السديد وفراغ يبهر حد إعياء نفسي يفسد الايمان ليصبح السجود ركود والراهب جلفآ.. عَلى ناصية الدهر وضاء سيف صلاح الدين، فيما شواخص حجت اليهم اصنام قريش عَلى قارعة الجغرافيا لا في صدارة التاريخ..!!.
الكاتب: العميد منذر الأيوبي
عميد متقاعد وباحث في الشؤون السياسية والاستراتيجية..