خلال الأسبوع الذي أمضاه الرئيس سعد الحريري في لبنان، منذ وصوله إليه مساء يوم الأحد الماضي، في 11 شباط الجاري، ومغادرته له مساء أمس، للمشاركة في الذكرى السّنوية الـ19 لاغتيال والده الرئيس رفيق الحريري، تحدّث الحريري في السّياسة كما لم يفعل ذلك منذ سنة، بعد قدومه من الإمارات حيث يقيم فيها منذ عزوفه عن ممارسة العمل السّياسي قبل سنيتن ونيّف، إذ أجرى مروحة لقاءات واجتماعات تزيد أضعافاً عن تلك التي أجراها في مناسبة العام الفائت.
وإذا كان الحريري أكّد في تصريحات له أنّ أوان عودته عن عزوفه لم يحن بعد، لأسباب باتت معروفة متعلقة بموقف السعودية الذي ما يزال رافضاً، أو متحفّظاً على أقل تقدير، على تلك العودة، فإنّ أكثر ما استوقف الوسط السّياسي والمراقبين هو ما أدلى به الحريري من مواقف بخصوص إستحقاق إنتخابات رئاسة الجمهورية، وهي تتلخّص في نقاط عدّة من أبرزها ما يلي:
أولاً: عبّر الحريري عن عدم يقينه بإجراء الإنتخابات الرئاسية في المستقبل القريب، عندما قال في مقابلة أجرتها معه قناة “العربية ـ الحدث” السّعودية بأنّه “ليس هناك إنتخابات لرئيس جمهورية ولا أيّ شيء يحدث في هذا المجال”، ما ترك إنطباعاً أنّ الفراغ في كرسي الرئاسة الأولى، الذي يكاد يُنهي شهره الخامس بعد عامه الاول، لن يُملأ قريباً.
ثانياً: عندما سُئل الحريري عن موقفه من الإستحقاق الرئاسي ردّ بأنّ كلا المرشحين، رئيس تيّار المردة سليمان فرنجية ووزير المالية السّابق جهاد أزعور، “صديقان” له (إستقبل الحريري فرنجية خلال زيارته الأخيرة إلى لبنان، وأوضح أنّه التقى أزعور في الإمارات)، وهي إجابة ملتبسة لم يوضحها الحريري لاحقاً. وينبع الإلتباس من أنّ أزعور كان مرشّح جلسة إنتخابية واحدة هي الجلسة التي عُقدت في 14 حزيران الماضي، قبل أن تنتقل قوى المعارضة التي رشّحته إلى تبنّي ترشيح قائد الجيش العماد جوزاف عون، بعدما كانت تبنّت سابقاً ترشيح النائب ميشال معوض، أيّ أنّ مرشح المعارضة ليس واحداً بل متغيّر في مواجهة فرنجية الثابت، فلماذا اختار الحريري المرشح أزعور دون غيره من المرشّحين ليجعله موازياً لفرنجية؟
ثالثاً: عندما يستبعد الحريري إجراء الإستحقاق الرئاسي في الوقت الحالي، لأسباب كثيرة أهمها أنّ “كلمة السّر” و”التسوية” الخارجية المرتقبة من الدول المعنية والمؤثّرة في الملف اللبناني لم تنجز بعد، فإنّ ذلك يعني أنّ أيّ موقف للحريري أو سواه حيال هذا الإستحقاق هو لملء الوقت الضائع بانتظار معرفة على أيّ برّ سوف ترسو التطوّرات في المنطقة، وأبرزها العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة وجنوب لبنان الذي دخل شهره الخامس، والذي على ضوء النتائج التي ستسفر عنه سوف يتبلور مصير المنطقة كلّها وليس مصير الإستحقاق الرئاسي في لبنان فقط.