دمشق - هدى العبود
في الثالث عشر من فبراير من كل عام، يحتفل باليوم العالمي للإذاعة الذي أعلنته «يونيسكو» في عام 2011، بعد أن اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة رسميا بموجب قرارها 124/67 المؤرخ 14 يناير عام 2013.
ويعود اختيار هذا التاريخ للاحتفال بالإذاعة على المستوى العالمي، إلى اليوم الذي أنشئت فيه إذاعة الأمم المتحدة سنة 1946. وبحسب «يونيسكو»، يهدف هذا اليوم إلى تسليط الضوء على مكانة تلك الوسيلة الأساسية للإعلام والاتصال في المشهد الإعلامي المحلي والعالمي والتعاون الدولي بين مختلف الإذاعات في العالم.
وللإذاعة مستمعيها من كل الفئات العمرية ولها جمهور واسع، فقد كان هذا الجهاز الصغير الصديق المقرب لنا في كل مكان نتواجد فيه، فمنه نستطلع الاستماع إلى الدراما التي تحمل كل معلومة مفيدة فيها من النصح والإرشاد ما يكفي بعيدا عن التقنيات الحديثة التي أشبعت أفكار شبابنا حتى كهولنا بأفكار لا تناسبنا، فالإذاعة متاحة في السيارة وبالبيت وبالعمل وفي كل مكان.
ونظرا لأهمية هذا المذياع الصغير ما زالت الدول العريقة تحتفي بتواجده وتقدم من خلاله كل ما هو مفيد وممتع، لكن علينا أن نعترف بأن بقاء الحال ضرب من المحال لأننا أمام هجمة إعلامية كبيرة من وسائل الإعلام الحديثة، فنظرا للتطور والحضور المكثف للتلفزيون و«يوتيوب»، وتحول الجمهور إلى جمهور انتقائي، كل هذه العوامل أدت إلى تضاءل استماع الناس لبرامج الإذاعة، وأصبح الاختيار محصورا بنوع البرنامج الإذاعي الذي يتناسب مع تذوق المستمع لما يحب ان يتابعه من برامج تبث عبر الإذاعة.
وللعلم، فإن البرامج الإذاعية لا تقل صعوبة من الأعمال التلفزيونية، فهي بحاجة إلى القدرة على تمثيل كل مشاعرك وأحاسيسك بصوتك فقط، ذلك يعني أنك محترف في التمثيل الدرامي الإذاعي، والكاتب الدرامي والمخرج والموسيقي أمام مسؤولية كبيرة وصعبة، فهو مكلف بأن يقدم نتاجا ابداعيا من خلال ما يقدمه من دراما تفتح مجالا للخيال عن طريق الاستماع مع تخيل القصة ومعناها عن طريق معلومة منقولة من قبل الممثل، وهذا هو الاحتراف الذي يسمى «السهل الممتنع» لأنهم يؤدون رسالة إنسانية هدفها تصحيح المفاهيم الخاطئة من خلال سهولة التلقي والمتابعة في أثناء التنقلات والسفر بمدة لا تتجاوز 15 دقيقة، وفي الماضي.
إن أهم ما يميز الدراما الإذاعية عما سواها هو أن كل متلق يكون كاتبا ومخرجا ومشاهدا وناقدا لاذعا من خلال تخيلات تطبع في ذاكرته أثناء الاستماع والتخيل الآني للأحداث، ومن منا يستطيع نسيان قصة «ساري العبدالله» عندما تركته قبيلته بالصحراء مع كلبه ليموت لأنه أصيب بالجدري لتلقاه سيدة بدوية فتداويه ويعود إلى أهله يائسا معاتبا.
«الأنباء» التقت عددا من الفنانين السوريين، وفي البداية، قال النجم القدير دريد لحام، أحد مؤسسي الدراما السورية من ستينيات القرن الماضي: علينا أن نكون واقعيين بأن التطور التكنولوجي لـ«السوشيال ميديا» يعاني منها حاليا التلفزيون والإذاعة، والمعاناة تأتي من العزوف عن مشاهدة والاستماع لكلا الطرفين، بسبب شبكة الإنترنت المنافسة القوية وغير العادلة، فمن خلال هاتفك الجوال أصبحت تشاهد أي مسلسل وتستمتع للأغنية والعمل الإذاعي بكل مستوياته مباشرة، لكننا نستطيع استعادة نشاط الإذاعة وألقها وحضورها من خلال متابعة أعمالنا المحلية المهمة لحياتنا اليومية وبناء مجتمعنا المختلف عن باقي المجتمعات بكثير من مناحي الحياة، وكل عام وإذاعتنا بألف خير.
وقالت الفنانة هدى شعراوي: هذه الإذاعة بيتي الحنون الدافئ، كم أبكاني النص الإذاعي، وأنا أجسد حياة إنسان مقهور معذب من أقرب الناس اليه، فأنا أبكي عندما يكون النص يقدم قصة مأساوية حقيقية، وخير دليل على ذلك برنامج «حكم العدالة» الذي يستمع اليه ملايين السوريين ومحبيه من دول العربية والدول الناطقة بالعربية، الدراما الإذاعية صعبة هادفة بناءة وكل مجتمع يحترم تاريخه يعود إلى حضن تاريخه وأمه وهذه الإذاعة هي الحضن الدافئ لكل السوريين.
بدورها، قالت الفنانة وفاء موصللي: للمسلسلات الإذاعية دور فعال لا يقل شأنا عن حكايات الجدة والأم التي تربينا عليها، بل وكثيرا ما تسرد لنا جداتنا وأمهاتنا قصصا وحكايات سمعتها من إذاعة دمشق، والجيل القديم لديه ذاكرة قوية، لكن الإذاعات باتت تفضل بث برامج وأغنيات تحصل من ورائها على مردود أفضل بدلا من المسلسلات، وخاصة بوجود رعاة البرامج.
بينما يحتفل العالم باليوم العالمي للإذاعة، فإن إذاعة دمشق تقف في مقدمته بعطاء وخبرات سبعة وسبعين عاما من العطاء المتدفق المستمر في مجال الصوت والأثير الذي لا يزال يحتفظ بألقه رغم تجدد التكنولوجيا وتعاقب السنين، ونشأت الدراما في إذاعة دمشق أوائل الخمسينيات بعد تأسيسها مباشرة، على يد رئيس دائرة التمثيليات ممتاز الركابي، الذي كتب وأخرج ومثل في عدد من الأعمال التاريخية والعالمية، واستعان للتمثيل فيها بادئ الأمر ببعض المذيعين والمذيعات وكانت في مقدمتهم لمياء الشماع، بدر المهندس، فؤاد شحادة، عادل خياطة، ولفيف من الطلبة المشاركين في برنامج الطلبة، كما كان هناك برنامج للأطفال قدمه المخرج خلدون المالح ونجوى صدقي ويارا المالح وعدنان حبال، إلى جانب الأعمال الدرامية الإذاعية التي كان يكتبها ويخرجها وصفي المالح وأكرم خلقي، ومن ابرز الفنانين الذين شاركوا فيها: عدنان عجلوني وسامي جانو ونهاد قلعي وأولغا غنوم وعبدالرحمن آل رشي وهدى شعراوي وفاطمة الزين ويعقوب أبو غزالة، وجميعنا يعلم أن الفنان تيسير السعدي كان مخرجا وفنانا ترفع له القبعات تدرب في القاهرة والقدس.
وكان أن اجتمع مع حكمت محسن وأنور البابا وفهد كعيكاتي وعبدالسلام أبو الشامات ورفيق سبيعي، وشكلوا أعضاء الفرقة السورية التي سميت فيما بعد فرقة المسرح الحر، وضمت أيضا سعد الدين بقدونس وعبداللطيف فتحي ونزار فؤاد وهاشم وعمر قنوع ونور كيالي ومحمد طرقجي ومحمد العقاد.
أما في الإذاعة، فقد استدعى ممتاز الركابي هؤلاء الفنانين المسرحيين من دمشق وحلب للعمل في الإذاعة، فاستجابوا بحماسة وراح حكمت محسن يكتب بواكير أعماله الإذاعية الرائعة.