مرتان تطرّق خلالهما الرئيس سعد الحريري إلى الإستحقاق الرئاسي إبّان زيارته الأخيرة إلى لبنان، للمشاركة في الذكرى السّنوية الـ19 لاغتيال والده الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط الجاري، كشف فيهما إلى جانب موقفه ورأيّه بعض ما لديه من معلومات حول إستحقاق ما يزال يدور في حلقة مفرغة منذ الشّغور في كرسي الرئاسة الأولى في قصر بعبدا منذ نحو سنة وأربعة أشهر.
المرّة الأولى كانت خلال المقابلة التلفزيونية التي أجرتها معه قناة “الحدث” السّعودية مساء أول من أمس، عندما قال إنّه “ليس هناك إنتخابات لرئيس جمهورية ولا أيّ شيء يحدث في هذا المجال”، قبل أن يعود ويؤكّد هذا الموقف مساء يوم أمس في لقاء جمعه وصحافيين في منزله بوسط بيروت.
في المرّة الأولى كان ردّ الحريري مختصراً، لكنّه في المرّة الثانية إستفاض أكثر، وتطرّق إلى مسائل وقضايا متشعبة تتعلق باستحقاق رئاسة الجمهورية، إذ أكّد أمام من التقاهم من صحافيين بأنّ “أيّ حلّ يحتاج إلى انتظام المؤسّسات وعلى رأسها رئاسة الجمهورية”، داعياً الأطراف اللبنانيين إلى المبادرة لحلّ هذه المشكلة وإنهاء الفراغ الرئاسي بأنفسهم، بقوله إنّه “إذا فعلاً أراد الأفرقاء رئيساً فغداً يُنتخب، لكن هناك من يريد التضحية، وآخرين غير مستعدين فماذا ينتظرون؟ لا أعلم!”.
رمي الحريري كرة مسؤولية التأخير في انتخاب رئيس للجمهورية على قوى وأطراف الداخل، متجاهلاً الأطراف الخارجية التي يعرف الحريري أنّ “كلمة السرّ” التي تتوافق عليها هي التي تنهي الفراغ الرئاسي، يعود برأيه إلى أنّ “لبنان ليس من أولوية كلّ الدول التي لديها مصالحها”، سائلاً: “إذا لم يساعد اللبنانيّون أنفسهم فمن سيساعدهم؟”، قبل أن يجيب أن “الدول منشغلة بمشاكلها، ويجب أن يكون لدينا قراءة واضحة”.
قراءة الحريري تخلص في النّهاية إلى أنّ لا انفراج قريب في الإستحقاق الرئاسي، فلا التوافق الداخلي متوافر، والتسوية الخارجية ليست واردة في ظلّ إنشغال الدول المعنية عن الملف اللبناني بقضايا أهم وأخطر، فضلاً عن الحرب المشتعلة في قطاع غزّة وجنوب لبنان، والإضطراب السّياسي والأمني الواسع في المنطقة التي يجعلها تبدو وكأنّها تقف فوق صفيح ساخن.
غير أنّ الحريري لم يجب على سؤال، أو لم يطرحه عليه ـ ربما ـ أحدٌ من الصحافيين الذين التقوا به، وهو إذا كان يعتبر أنّ إرادة الأفرقاء الداخليين تكفي لانتخاب رئيس، فكيف يحصل ذلك في ظلّ الخلل الذي تعانيه المعادلة الداخلية نتيجة تضعضع المُكوّن السنّي، أو ضعف تمثيله وتراجع فاعليته نتيجة غياب القيادات السنّية عن المجلس النيابي الحالي، وهو الذي قال للتو أنّ تسوية عام 2016 التي أنجزها كانت فاشلة، ولو استدرك بعد ذلك ليقول إنّ “ذلك لا يعني أنّ كلّ التجارب فاشلة”.