في غلس الليل تتوهج رُبى غزة بنور افئدة تطفىء فوسفورآ، اطنان قنابل ترجمها على الارض الحرام طائرات الرَّبُوب، فيما سحابٌ أبيض متوسِّط الارتفاع يبحر رقيقًا حاضنآ يزف ارواح شهداء تعتلي، تاركآ للشمس تضيء انفاق النضال والكرامة رغم أنف الطغاة..!
اربعة اشهر ثم بعض خوالي وحماس تواجه انياب الذئاب في قيظ الزمان؛ مقاومة ان ادرك القوم شوق رجالها ايمانآ لنثروا بسماتهم تعبدآ في حضرة الله وملائكته..! هؤلاء قلة تصدرت قبلة الاسلام حِملُها من صليب الانسانية اشواك عاريات والنصر عَلى انبلاج بان..!
في سابع زيارة له الى الشرق الاوسط بصورة أساسية الى اسرائيل، واثر لقائه مجلس الحرب ورئيس الكيان الغاصب بدا وزير الخارجية الاميركي انطوني بلينكن غير بعيد عما يراه ويصبو اليه رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، إذ “عضلات الوجه تتكلم لا الالسن”، لم يفته تذييل تصريحاته بعبارة “تاكيد على حماية المدنيين والدفع بمزيد من المساعدات الى اهالي غزة” هذه مِن مدرسة الخداع، إنَّا لمنافقون، بها مآرب أُخرى غايةً تسمح لوسائل الاعلام الصهيونية والاميركية اقتطاع فعل الحقيقة في تغطية المجازر تواطؤآ مع القتلة والاضاءة عَلى نهاية التصريحات؛ رتوش لا تخفِ ذلك الدعم المهول في المال والسلاح.. تماثلآ على جهل التزام واشتقاق من قول داهية العرب عمرو بن العاص “مكرهآ -اخاك- عدوك لا بطلً” اعلن بلينكن ان النقاش مستمر حول رد حماس، رغم بعض تحفظات اذ ان هنالك مساحة مقبولة للتوصل الى اتفاق واطلاق سراح المحتجزين.!
في السياق؛ عَلى خلفية الانتخابات الرئاسية الاميركية وتضارب الملف الشخصي المصلحي بين الرئيس الاميركي جو بايدن ونتنياهو، انتقل بلينكن الى الضفة الاخرى منفذآ مناورة التفافية بوجه الاخير موجهآ رسالة واضحة مبطنة في فرط عقد الحكومة الحالية وذلك غداة رفضه رد حركة حماس. اذ التقى في اجتماعين منفصلين زعيم المعارضة الاسرائيلية يائير لبيد ثُم الوزير في مجلس الحرب الصهيوني بيني غانتس؛ ثُم اجتمع مع عضو حكومة الحرب غابي آيزنكوت كما جرى البحث مع وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت اهمية قيام دولة فلسطينية تحت شروط معينة. تاليآ في انتقادٍ ألبسه وجه النصيحة، اعتبر ما يدلي به مسؤولي اليمين المتطرف (ان هذه التصريحات تؤجج التوترات وتقوّض الدعم الدولي وتفرض قيودآ اكبر عَلى امن اسرائيل)..
مِن جهة اخرى، جدد نتنياهو خلال مؤتمر صحفي عقد اول من أمس وعيده بمواصلة الحرب حتى القضاء على حماس، مشيرا إلى أن تحقيق الأهداف الإسرائيلية مسألة أشهر، وأنه لا رجعة عن الانتصار فيها..
توازيآ في نقطة وسطى بين تأنيب ومعاتبة قاسية، حذر بلينكن تل ابيب قائلآ: “لقد تم تجريد الإسرائيليين من إنسانيتهم في 7 أكتوبر، كما تم تجريد الرهائن من إنسانيتهم؛ لكن هذا الامر لا يمكن أن يكون ترخيصآ لتجريد الآخرين من إنسانيتهم”..
في توقيت مناسب، كان مأمولآ ومرتجى ليس ببعيد عن الاتصال الهاتفي امس الاول بين وزيري خارجية الولايات المتحدة الاميركية والمملكة العربية السعودية حيث تم على ما أُعلِن بحث المستجدات العسكرية في قطاع غزة والجهود المبذولة للتعامل مع تداعياتها الأمنية والإنسانية؛ اتى الاجتماع الوزاري التشاوري يوم امس الخميس 8 الجاري الذي دعا اليه وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان وضم كل من: محمد بن عبدالرحمن آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية في دولة قطر، عبدالله بن زايد آل نهيان وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة، ونائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الاردني أيمن الصفدي، ووزير الخارجية المصري سامح شكري، وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ. ليؤكد ضرورة إنهاء الحرب والتوصل إلى وقف فوري وتام لإطلاق النار، مع ضمان حماية المدنيين، ورفع القيود التي تعرقل دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، إضافة الى دعم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
اما الاهم المتقاطع الى حد ما مع واشنطن فكان التشديد على أهمية اتخاذ خطوات لا رجعة فيها لتنفيذ حل الدولتين، والاعتراف بدولة فلسطين على خطوط الرابع من يونيو لعام 1967م وعاصمتها القدس الشرقية، وفقاً للقرارات الدولية ذات الصلة، مؤكدين أن قطاع غزة هو جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية المحتلة، وعن الرفض القاطع لكل عمليات التهجير القسري-..!
أخيرآ؛ استشراف الحل للقضية الفلسطينية شكل عاملآ مشتركآ فيما يمكن تسميته المحور العربي (المعتدل) والتحالف الغربي – الاميركي (الداعم لاسرائيل) اذ لَم يعد ممكنآ القفز فوق ما حصل وارتكب في قطاع غزة، كما لا يمكن تجاوز حركة حماس وعملية طوفان الاقصى النقطة الوضاءة التاريخية في مَسار الصراع العربي – الاسرائيلي؛ فيما تبقى الاشهر القادمة الحاضنة لخطوات مرتقبة عَلى المستوى الميداني وعَلى الصعيد الاقليمي سياسيآ واستراتيجيآ منعطفآ هامآ قد يكرس وضعآ جديدآ اكثر استقرارآ في الشرق الاوسط..!
ـ الكاتب العميد منذر الأيوبي
عميد متقاعد، كاتِب مختص في الشؤون الامنية والاستراتيجية.