هي جمهورية جهنم او جمهورية الموز، سمّها كما شئت.
الأكيد اننا لم نعد نعيش في دولة تحترم المواطن بأي شكل من الاشكال. بل بتنا نسكن مزرعة تحكمها زمرة تبرع في تقاذف المسؤوليات فيما البلاد والعباد غارقون في مستنقع من الازمات الاقتصادية والمعيشية ناهيك عن الاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب اللبناني والتي أوقعت مئات الشهداء وعشرات الجرحى وهجرت الآلاف من الجنوبيين من منازلهم.
في السياسة، يستمر المشهد عينه منذ خمسة عشر شهراً، لا رئيس للجمهورية وسط امعان الافرقاء السياسيين في نهج التعطيل وتضييع الوقت الذي لم يعد لمصلحتهم، مركّزين كل رهاناتهم على ما يمكن ان ينتج عن لجنة خماسية نصّبت نفسها وصيّة على رئاسة الجمهورية مستبيحة السيادة اللبنانية التي ينادي بها بعض نواب الامة، المرتهنين اصلاً لبعض سفارات هذه اللجنة.
اما في الاقتصاد، فمع دولرة الأسعار والرواتب، باتت الليرة اللبنانية عملة نادرة وتحولت الى سلعة، وسط ارتفاع هائل للأسعار وتدهور كبير في القيمة الشرائية للمواطنين. وفي آخر الأرقام، فقد حاز لبنان على ثاني أعلى نسبة تضخّم إسميّة في أسعار الغذاء حول العالم بين تشرين الثاني ٢٠٢٢ وتشرين الثاني ٢٠٢٣، وصلت الى ٢٢٠ بالمئة لناحية مؤشر تضخم اسعار الغذاء.
في وقت كشفت منظّمة الشفافيّة الدوليّة، ان لبنان احتل المركز ١٤٩ من اصل ١٨٠ دولة خضعت لتقييم مؤشر مدركات الفساد CPI بحصوله على نتيجة ٢٤/١٠٠، مسجلاً بذلك ادنى نتيتجة له لثلاثة سنوات متتالية.
الى ذلك اظهرت نتائج التدقيق الجنائي ان الخسائر التي راكمها مصرف لبنان حتى العام ٢٠٢٠، تلامس الـ ٥١ مليار دولار اميركي، واذا ما اضيفت اليها الديون المتوجبة على الدولة والبالغة قيمتها حوالي ١٦,٥ مليار دولار، نكون امام ما مجموعه ٦٧,٥ مليار دولار كديون على الدولة حتى سنة ٢٠٢٠، فيما ازدادت الخسائر خلال السنوات الثلاث الماضية.
عليه، وبناء على هذه المعطيات فإن الحاجة باتت ملحّة لاتخاذ الإجراءات التصحيحيّة اللازمة واجتراح الحلول الجذرية وليس الاستمرار بسياسة “الترقيع”.
ومن الاقتصاد الى الاجتماع، حيث بات لبنان بلد الفقر وزدادت نسبة البطالة والتشرد، ناهيك عن حالات الانتحار التي باتت شبه يومية، وتفشي الجرائم من سرقة وقتل.
هذا كله والمواطن محروم من ابسط حقوقه بالحصول على الطبابة والدواء، فباتت معظم الادوية مفقودة، او منقطعة الوجود لا سيما تلك الخاصة بالامراض السرطانية والمستعصية. والجهات الضامنة الرسمية تعمل من عدم فيما شركات التأمين ترفع اسعارها حتى باتت التغطية الصحة الشاملة شبه معدومة.
اما قطاع التعليم فحدّث ولا حرج، الاساتذة والتلاميذ واقعون بين سندان تأمين الاموال من الجهات المانحة للمدارس الرسمية ومطرقة جشع المدارس الخاصة الذي لا ينتهي، وبينهما عام دراسي قد يضيع على غرار غيره.
هذا غيض من فيض معاناة اللبنانيين اليومية، وان كان هذا الشعب الصامد والصابر والمقاوم في مختلف الميادين يظهر متكيفاً مع ما يجري، غير انه بُلي بمسؤولين لا يفقهون ان السياسة فن خدمة الشعب والسهر على راحته، فبدل ان ينهضوا بوطن كان في مصاف الدول الاكثر تقدماً، اعادوه الى “العصر الحجري” ولم يستكينوا.
والى ان يقضي الله امراً كان مفعولا فيصبح للبلاد رئيساً يعيد اليها الانتظام العام، “تصبحون على وطنّ”!