سيدخل مسرّع الجسيمات المستقبلي التابع للمنظمة الأوروبية للأبحاث النووية الخدمة بحلول العام 2050 ثم يعمل بكامل طاقته قبل نهاية القرن… وقد تطرّق تقرير نُشر الاثنين إلى مستقبل هذا المشروع الدولي المهم لناحية توفير فهم أفضل للكون.
وتؤكد المديرة العامة للمنظمة الأوروبية للأبحاث النووية فابيولا غيانوتي أنّ التحدي يكمن في “درس خصائص المادة على أصغر نطاق وضمن أعلى مستوى من الطاقة”.
ويحطّم المسرّع الحالي التابع للمنظمة والمسمى مصادم الهدرونات الكبير، الجسيمات المقذوفة على بعضها البعض في حلقة، ضمن سرعات هائلة. وتوضح هذه الصدمات خصائص الجسيمات، ومكّنت من تحديد عام 2012 بوزون هيغز الذي يُعتبر رئيسياً للبنية الأساسية للمادة.
ويرمي المصادم الدائري المستقبلي إلى توفير أكبر قدر ممكن من طاقة الاصطدام، وإلى تفسير ما يشكل 95% من الطاقة والمادة في الكون المرئي، ووفرة المادة بالنسبة إلى المادة المضادة وحتى كتلة النيوترينو.
وينقسم مشروع المصادم الدائري المستقبلي إلى مرحلتين، تتمثل الأولى بمصادم الإلكترون-بوزيترون (جسيمات خفيفة) للتعمق في فيزياء بوزون هيغز في العام 2048، ثم دخول مصادم البروتون-بروتون المخصص للجسيمات الثقيلة الخدمة سنة 2070. بالإضافة الى هدف قياسي محدد للطاقة يبلغ 100 مليار مليار إلكترون فولت (TEV)، في وقت تصل طاقة المصادم الحالي (مصادم الهدرونات الكبير) إلى 13,6 إلكترون فولت.
وتشير فابيولا غيانوتي إلى أنّ المسرّع المستقبلي سيكون “الآلة الوحيدة التي تتيح لنا تحقيق تقدم كبير في دراسة المادة”.
وبعد ثماني سنوات من الدراسة، يشير التصوّر إلى حلقة يبلغ محيطها 90,7 كيلومتراً أي أكثر بثلاث مرات من محيط مصادم الهدرونات الكبير الراهن. وسيكون المصادم المستقبلي متّصلاً بالمصادم الراهن وسيمتد تحت الأرض في فرنسا بشكل رئيسي، ولكن في سويسرا كذلك. وسيتضمن ثمانية مواقع سطحية، أربعة منها في فرنسا ستتضمّن المعدات التجريبية.
ومن المقرر أن تنطلق الأعمال سنة 2033 مع نفق يبلغ قطره 5,5 أمتار ويمر تحت نهر الرون بثلاثين متراً وتحت بحيرة جنيف بمئة متر، وتحت هضبة لابورن في جبال الألب بما يصل إلى أكثر من 500 متر.
– جزيئات جديدة –
ثم ينطلق تركيب المعدات اعتباراً من العام 2038، وتحديداً التجربتين الرئيسيتين مع وصول ارتفاع الكهوف إلى 66 متراً لاستيعاب أجهزة الكشف عن الجسيمات.
وستواصل المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية عملها مع البلديات المعنية بمسار مسرّع الجسيمات. بالإضافة إلى إعداد دراسات تتمحور على أثر المسرّع على الزراعة والبيئة والفيزياء والبشر.
وفي العام 2028، سيتعين على الدول الأعضاء في المنظمة (22 دولة أوروبية وإسرائيل) اتخاذ قرار في شأن انطلاق عمله، مع ميزانية تقدر بـ15 مليار فرنك سويسري (17,1 مليار دولار) لمصادم الإلكترون والبوزيترون، وفق غيانوتي.
يشمل التعاون في شأن مسرّع الجسيمات المستقبلي راهناً مجموعة من المعاهد البحثية من أكثر من ثلاثين دولة، تعمل معظمها أصلاً في مصادم الهدرونات الكبير الراهن.
يُعدّ مصادم الهدرونات الكبير الراهن في الطليعة لناحية اختبار التوقعات المرتبطة بالنموذج المعياري لفيزياء الجسيمات. وأعيدت دراسة هذا النموذج خلال السنوات الأخيرة عبر قياسات خصائص الجسيمات التي تختلف عن تلك التي ذكرتها النظرية.
وهو ما قد يكشف عن وجود جسيمات وتفاعلات جديدة لا تستطيع الآلات الحالية اكتشافها.
من المفترض أن يساهم مصادم الإلكترون-البوزيترون في تحسين القياسات التي تختلف عن تلك المذكورة في النظرية، وإطلاق مجال استكشاف في مصادم البروتونات.
وأشار التقرير الذي نُشر الاثنين إلى أن نجاح المشروع سيعتمد إلى حد كبير على ابتكار أدوات وتقنيات حاسوبية جديدة تعمل على تحسين أنظمة تسريع الجسيمات، وهو تقدّم ينبغي أن يفيد المجتمع بشكل مباشر، بحسب مسؤولين في المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية، من خلال التقدم في المغناطيس فائق التوصيل أو في التبريد العميق.