بينما كانت الأنظار موجّهة إلى الجنوب اللبناني لمعرفة إلى أين ستتجه الأوضاع فيه وفي المنطقة، وفي ضوء تصعيد العدو الإسرائيلي عدوانه على قطاع غزّة، بدعم كامل من الولايات المتحدة وحلفائها، بعد تهديد الكيان الصهيوني بشنّ عدوانٍ على لبنان، جاء الردّ مفاجئاً من خلال هجوم على قاعدة أميركية تقع في شمال شرق الأردن بالقرب من الحدود السّورية، مساء أمس، سقط خلاله قتلى وجرحى في صفوف عناصر القاعدة الأميركية، فضلاً عن أضرار في العتاد والمنشآت.
الهجوم على القاعدة الأميركية في الأردن، كان سبقه فجر اليوم ذاته هجوم مماثل على 4 قواعد أميركية: ثلاث منها في سوريا (الشدادي والركبان والتنف) والرابعة داخل فلسطين المحتلة (منشأة زلفون البحرية)، وسط مفارقتين: الأولى أنّ هجوم الفجر تبنته “المقاومة الاسلامية في العراق” لم يعلن عن سقوط قتلى أو جرحى أو أضرار من الجانب الأميركي؛ والثانية أنّ الهجوم في الأردن الذي لم تتبناه أي جهة بعد، حتى تاريخه، جذب الأنظار بعد الإعلان عن سقوط 3 قتلى وما لا يقل عن 34 جريحاً، وفق معلومات أولية، من الجانب الأميركي.
ومع أنّ الهجوم على قواعد أميركية في المنطقة بطائرة مسيّرة ليس الأول من نوعه منذ شنّ العدو الإسرائيلي حربه على قطاع غزّة قبل 115 يوماً، إذ تعرّضت قواعد أميركية عدّة في العراق وسوريا تحديداً لهجمات، إلّا أنّ هجوم مساء الأحد كان الأوّل الذي تتعرّض له قاعدة أميركية في الأردن، والأول الذي يسقط فيه قتلى من الجانب الأميركي، ما اعتبر مؤشّراً على تطوّر الوضع تصعيدا نحو مرحلة أخرى، واحتمال إتساع دائرة الحرب نحو مناطق أخرى كانت حتى يوم أمس خارج نطاقها.
عندما شنّ جيش العدو الإسرائيلي عدوانه على قطاع غزّة بعد عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها قوى المقاومة ردّاً على إعتداءات دولة الكيان على المسجد الأقصى والضفّة الغربية، أرادت حكومة الكيان وداعموها في الولايات المتحدة والغرب أن يبقى العدوان محصوراً ضمن القطاع، أملاً في تحقيق أهداف حدّدها رئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو، لم يتحقق أغلبها، لكنّ دائرة الحرب سرعان ما اتسعت لتشمل جنوب لبنان، قبل أن تنتقل إلى اليمن والبحر الأحمر بعد تدخّل تنظيم “أنصار الله” الحوثي دعماً للمقاومة في قطاع غزّة، باستهدافه سفناً تعبر باب المندب وتمخر عباب البحر الأحمر ترفع علم إسرائيل أو حلفائها، ما جعل المواجهة بين إسرائيل والولايات المتحدة وحلفائهما مع محور المقاومة تتسع تدريجياً، وتنذر بأن الآتي سيكون أصعب وأخطر.
ما سبق يعطي مؤشرات بان الاوضاع ذاهبة، في الايام المقبلة، في اتجاهين: الاول التهدئة واحتواء الموقف والتوصل الى تسوية تضع حدا للحرب التي تكبر كل يوم مثل كرة الثلج. من هنا فان ضغوطات عديدة تمارس في اكثر من اتجاه لوضع حد للحرب قبل فوات الاوان.
أمّا الإتجاه الثاني فهو أنّ كرة اللهب تكبر كلّ يوم وتهدّد بتحوّلها إلى كرة نار ستمتد نيرانها إلى أغلب بلدان المنطقة. وما تهديد الرئيس الأميركي جون بايدن، أمس، بأننا “سنحاسب المسؤولين عن مقتل 3 جنود أميركيين في الأردن، في الوقت وبالطريقة المناسبين”، ودعوة مسؤولين أميركيين إلى الإقتصاص من إيران وحلفائها في محور المقاومة المتهمين من قبلهم بالعملية، سوى مؤشّراً على أنّ لغة الحرب تعلو فوق لغة التهدئة، وتطغى على أيّ خطاب آخر.